حياتي مع والدي حرب مفتوحة

140

افتح قلبك
صفحة تُعنى بالمشكلات الأسرية التي تصل المجلة عن طريق البريد الإلكتروني أو أرقام هواتف المجلة نضعها أمام مجموعة من المتخصصين بقضايا الأسرة والمجتمع لإيجاد حلول لها.

المشكلة…
بعثت الآنسة ص. م برسالة مقتضبة الى هيأة تحرير المجلة تطلب فيها المساعدة في حل مشكلتها مع أبيها وأخيها. تقول في سطور الرسالة إنها “طالبة جامعية في المرحلة الثانية، أحب المرح والضحك دائماً ولا أحب الحزن أو التشكي والتذمر، فأنا في طبيعتي متفائلة، ورثت ذلك الطبع عن أمي (رحمها الله). لكن أبي دائماً ما ينتقدني على هذا السلوك، ويتذمر منه، ويعود باللائمة على والدتي ويتكلم عنها بكلام لا أحب أن أسمعه لأنه لا يليق بأمي الطيبة الحنون، وأنا لا أستطيع الرد على انتقاداته وكلامه بحق أمي، ولاسيما حين أرى سلوك أخي الذي يسايره ويتملق له. وصار أبي يتدخل في أدق تفاصيل حياتي اليومية، حتى في اختيار ملابسي التي أذهب بها الى الجامعة، أو المكياج الذي أضعه على وجهي، فأنا أحب أن أتابع آخر تحديثات الأزياء في مواقع الإنترنيت، مثلما أحب متابعة أخبار الفنانين، حياتي معهما صارت جحيماً، ولا أعرف كيف أكسبهما الى جانبي.”
في ختام رسالتها، تطلب الآنسة ص. المساعدة والنصح في تلافي هذه المشكلة لكي تعيش حياتها مثل باقي زميلاتها في الكلية، كما أنها لا تريد أن تخسر علاقتها بأخيها ولا أن تفقد حبها لأبيها أيضاً.

الحل…
الاختصاصية التربوية النفسية الدكتورة شيماء العباسي أجابت على المشكلة قائلة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: نرحب بك ابنتنا الكريمة ص. م في هذه الصفحة، ونسأل الله تعالى أن يلهمك السداد والإرشاد، وأن يعينك على كل أمر يرضيه. وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع. ابنتي الكريمة، بخصوص ما ورد في رسالتك التي عبّرت فيها عما في نفسك من معاناة وضيق تجاه والدك وأخيك، إلا أنني استوقفتني أمور مهمة لم تذكريها في الرسالة، ومنها: هل أنت البنت الوحيدة لوالدك؟ وهل لديك إخوة آخرون غير أخيك؟
ومع هذا، أريدك أن تفهمي شيئاً مهماً وأساسياً قد لا تكونين مدركة له في الوقت الحالي بحكم مرحلتك العمرية وقلة خبرتك بالحياة، وهو أن والدك هو سندك في هذه الحياة، وأنه الشخص الوحيد الذي يحبك ويخاف عليك دون أن ينتظر منك أو من أخيك أي مقابل، كما أنه يتمنى أن يراك في أحسن الأحوال، إذ أن واجب الوالدين أن يحسنا تربية أولادهما فإن قصرا أو أهملا في التربية، فهما مسؤولان أمام الله وأمام المجتمع. لذا عليك أن تسترضي والدك بسماع كلامه، حتى في انتقاده وعدم رضاه عن كلامك وطريقه مزاحك واختيار ملابسك ومكياجك وانت بهذا العمر، فلا تتضايقي من نصائحه، بل إن عليك أن تعطيه مكانته الأبوية ودوره في تربيتكما، كونكما مازلتما تحت إشرافه ورعايته. ولا تنسي أن والدك يقوم بدور الأب والأم معاً بعد رحيل والدتك (رحمها الله)، ولم يتخلَّ عنكم او يتزوج، بل كرّس حياته لكما، فعليك ابنتي الكريمة أن تتفهمي أسباب تذمره وانتقاده لك، كما أن عليك ألا تكوني قاسية في الحكم على والدك، لأن الله (عز وجل) أمرنا أن نبرّ الوالدين والإحسان إليهما وطاعتهما، لذا عليك أن تجعلي من والدك صديقاً مقرباً لك، فمثلا تأخذين رأيه في أمورك الشخصية وفي دراستك ومستقبلك، واحترمي رأيه في اختيار ملابسك، وطاوعيه ونفذي له طلباته حتى لو لم تقتنعي بها، لأن انتقاده ونصحه لمصلحتك وخوفه وحرصه عليك من المجتمع وما يجري فيه من أحداث مخيفة تجعله ينصحك دائماً، مع العلم أنك تعتبرين ذلك انتقاداً وتذمراً، لكنك مخطئة بهذا الوصف، بل إني اعتبره أباً واعياً وحريصاً عليك.
أما أخوك فهو أيضاً، بحكم تعامله مع الحياة واختلاطه بالمجتمع أكثر منك، حريص عليك وعلى سمعتك، لأن البنت في مجتمعنا كالزجاجة التي إذا انكسرت فإن من الصعب، او المستحيل، إصلاحها، فلا تحكمي عليهما بأنهما لا يحبانك، بل عليك أن تكوني أكثر فطنه ونباهة وأن تتقربي لأخيك، وان تجعليه صديقك المقرب وأن تتقربا الى والدكما، فلا تخسري هذه النعمة، فوجود أب واع وأخ حريص هو نعمة في هذه الحياة، فأنت قد جربتِ فقدان الأم، فلا تخسريهما لأنهما سندك الآن ومستقبلاً، وعندما تتزوجين وتصبحين أماً ستعرفين قيمة الأب وحرص الوالدين على أبنائهما.
أما ما ذكرته عن كلام والدك عن والدتك (رحمها الله) فقد تكونين أنت السبب من خلال كلامك عن والدتك، بحيث تنتقدين والدك وتقولين له إن والدتك كانت أفضل منه، او تقولين له إنها كانت تحبني أكثر منك، فهذا الكلام يجرحه، وكأنك تقولين له إنك أب فاشل. حاولي دائماً أن تتصدقي لوالدتك وأن تقرئي لها القرآن والدعاء لها بالفردوس الأعلى، واعلمي أن الأب والأخ هما مصدرا الحنان والقوه والسند لك بعد الله في هذه الحياة، فلا تتوقفي عند أمور بسيطة. ومن المؤكد أن والدك وأخاك يحبانك كثيراً.
أخيراً فإني على يقين أنك إذا اتبعتِ نصائحي ستلاحظين التغير في أسلوب والدك وأخيك الذي يتبعانه معك، وستفوزين برضا والدك، وعليك أن تجتهدي في برّه واحملي كلامه على محمل الجد لأنه في مصلحتك.. ونكرر الترحيب بك ونسأل الله لك التوفيق والسداد.