“داء القطط” يحرمُ الحواملَ من الأمومة

1٬233

وليد خالد الزيدي  /

ما الذي يدفع بعض النساء إلى التفكير بالمعتقدات الغيبية؟ سوى واقع بائس, من جهل وقلة إدراك, فيعشن في صور لا تعدو كونها خيالاً في فردوس مزعوم, وحلم وردي, وعالم من الأوهام, حينما يقودهن الفشل إلى المجهول في حالة يأس يشعرن بها في لحظة ما, بسبب واقع مزر.
وهنا لا يحضر التمييز بين العقل كسيد وحاكم مدرك للأمور وبين قوى غيبية تسندها صور ومشاعر وعواطف ومخيلات, أصعب ما فيها أن مصدرها الجن والشياطين وأرواح خارج العالم. تلك صور مأساوية عن بعض الزوجات في مجتمعنا, حينما يهربن من واقع محزن ومفروض عليهن, كفشل الإنجاب بعد حمل غير مكتمل أو من دونه لأسباب جلّها عضوية طبيعية جينية إلى أحلام أبرز صورها ضمن معتقدات مريضة, كتعويض لما سبق. فبدلاً من أن تبحث عن سبب سقوط جنينها أو عدم حملها عند أطباء اختصاص تلجأ إلى البحث عن ضالتها لدى السَّحرة والدجّالات “الكشّافات”, فيقعن في شراك الخديعة ليبتعدن عن جادة الصواب وحقيقة الأسباب.
“التابعة” بريئة من دم الجنين!
“سارة”، (34عاماً) من بعقوبة، التي ظهرت عليها آثار حمل متقدم تقول: شغفت بداية زواجي بسماع ضحكات الأطفال في أركان منزلي, وانأ احلم بإنجاب طفل يديم العلاقة مع زوجي الذي أحببته وتزوجته قبل ستة أعوام وحينها لم نرزق بطفل حيث حملت من قبل مرتين لكن الجنين كان يسقط في أشهره الأولى, وساءت علاقتي بزوجي وأخذ يهجرني عدة مرات, ومن خشيتي وقلقي سمعت كلام والدتي التي نصحتني بالعرض على”كشّافة”، التي أخبرتني بأنني منفوسة ولديّ “تابعة”! وبرغم اتباع وصفاتها لم يحدث الحمل طيلة خمس سنوات.
وأضافت: نصحتني صديقتي بكشف طبي وبالفعل بعد الفحص والسونار أخبرتني الطبيبة بأنني أعاني مشكلة في الرحم, وبوصفة واحدة حملت وحالياً في شهر الإنجاب والحمد لله.
الخردل ليس من شجرة الصندل
كبقية الزوجات، حلمت نادية، (29عاماً) من بغداد، بثمرة زواجها من ابن عمها كي تحظى بطفل يزين أجواء الوئام مع شريك حياتها, فأصبح ذلك هاجساً لها. تقول نادية: كنت قبل أربع سنوات أتردد على”العرّافات”، وذات يوم أخبرتني إحداهن بأني حامل، ومن شدة مخاوفي على حملي بدأت أشعر بآلام في بطني. وبدلاً من مراجعة المركز الصحي ذهبت إلى”الكشّافة” فزودتني بقصاصات ورق مكتوبة عليها عبارات غير مفهومة, وحبّات خردل لأحرقها ونشر دخانها ورائحتها في أرجاء المنزل وقت الغروب لمدة عشرة أيام, ففعلت ذلك, لكن سرعان ما شعرت بزيادة الألم، وبعد شهر حدث الإسقاط, عرضت حالتي على طبيبة نسائية فأخبرتني بأني مصابة بداء القطط، وأعطتني علاجاً وطلبت مني اتباع مشورتها, فحدث حمل طبيعي جديد ورزقت بطفلة جميلة بعد ذلك.
الورق المكتوب في الماء المسكوب!
تقول (أم أيمن) من بغداد: تأخر حملي ثلاث سنوات وكانت عمّتي تصحبني باستمرار إلى امرأة تتعامل بالسحر أعطتني مواد معطرّة وأبخرة وقصاصات ورق مكتوبة بإشارات غريبة لاستعملها مع الماء أثناء الاستحمام. ذات يوم عرفت بحدوث حمل فاتصلت بزوجي وانأ اشعر بسعادة غامرة لأخبره بذلك وبالفعل عشنا فرحا غامراً، ولكن بعد شهرين تحولت السعادة إلى حسرات وندم وفقدنا أملنا في طفل بعدما حدث إجهاض مفاجئ وبلا أسباب واضحة.
تضيف: رافقت أختي الكبرى إلى مركز صحي قريب واكتشفت الطبيبة أني أتناول علاجات وأدوية مضرة أثناء أشهر الحمل الأولى كالمسكّنات والمليّنات وأكدت أنها سببت تهيّج بيت الرحم وانقباض الكيس الجنيني ما أدى الى إسقط الجنين.
يذهب بزوجته إلى الساحر!
نرجس، (39 عاماً) من كركوك، أم لثلاثة أبناء تقول: قبل ولادة طفلي الأول حملت مرتين وفي الحالتين يسقط الجنين، فزوجي يؤمن كثيراً بالغيبيات ويصبحني إلى شخص يدّعي السحر, وكان هذا يقصم ظهرنا بمبالغ طائلة وكل مرة يعطينا ماء ورد وقناني مملوءة بسوائل ذات رائحة كريهة لندلك بها أنا وزوجي جسدينا قبل النوم لمدة شهرين, لكننا اكتشفنا زيفه وراجعنا طبيبة متخصصة أجرت لنا تحليلاً مختبرياً وأعلمتنا بإصابتي بشيطان داء القطط، وقالت إنه عبارة عن طفيليات تضعف مناعة الحامل وتؤثر على سلامة الجنين فيحدث الإسقاط.
طفيليات أفقدتني السعادة
تشير شيماء محمود، (28 عاماً) من البصرة، وهي أم لولدين إلى إجهاض جنينها بداية زواجها, وتقول: تركت أمري لإحدى العرّافات التي زودتني بأحجار كريمة وطالبتني بوضع مبخرة وسط المنزل لأعبر فوقها عدة مرات في اليوم, وفعلت ذلك لفترة طويلة حتى سئمت الانتظار, وذات يوم وبالصدفة رافقت جارتي إلى طبيبة نسائية وطرحت مشكلتي أمامها, فبادرت الطبيبة بفحصي وإجراء تحليل مختبري مجاناً, وأعلمتني بضعف مناعتي بسبب طفيليات أضرت الحمل وأفقدتني جنيني فزودتني بعلاجات ونصحتني باحتياطات لازمة كالنظافة أثناء الطبخ واستخدام القفازات, وبعد صبر والتزام بالعلاج حدث الحمل ورزقت بولدين بفضل الله.
رأي وتصنيف الطب المتخصص
أختصاصية النسائية والتوليد في بغداد الجديدة (الدكتورة حكيمة عبد الرضا اللامي) تقسم مراحل إسقاط الجنين إلى ثلاث قائلة:
الأولى في بداية الحمل لغاية 3 أشهر وهي أهم مرحلة يسقط فيها الجنين وسببه تشوه الكروموسومات وهو الأخطر والأكثر شيوعاً وتعقيداً لأنه يتعلق بالجنين نفسه وليس بالحامل.
الثانية تبدأ أحياناً من الشهر الثاني وتستمر لأشهر وسببه داء القطط من تلوث الطعام والمنزل وبيئة الحامل ببراز القطط, كذلك الحصبة الألمانية وتشوهات الجنين وفيروس (الهربس)، وهو عدوى تنتقل بالاتصال الجنسي أثناء الحمل يظهر بشكل تقرحات على أعضاء التناسل وأسفل البطن والفخذين فيجب إبلاغ الطبيب لكونها تضر بالطفل.
الثالثة مرحلة متقدمة لفترة(3 ـ 6) أشهر وسبب الإسقاط هو تشوّه في عنق الرحم ويتعلق بالحامل وليس بالجنين.
داء السكري المخفي
وتضيف: هناك أسباب تتعلق بالحامل كتشوه شكل الرحم, فأحياناً يكون ضيّقاً لا يستوعب الجنين فيحدث الإجهاض, أما إذا كان واسعا فيكون الجنين بوضع مريح وهناك أجسام مضادة تعمل على تخثر دم الأوردة المؤدية إلى الجنين.
ونصحت اللامي المرأة بعد الإجهاض بمراجعة الطبيب ومعها كيس ومحتويات الرحم والجارة لمعرفة أسبابه, وتحليل السكري قبل الحمل الجديد, قائلة: هناك سكري مخفي لا يظهر إلا في الحمل, كما يجب معرفة مضادات الجسم وكشف تشوهات الرحم بالأشعة الملونة, فإحدى مريضاتي أسقط جنينها (6) مرات خلال سنتين وهي الآن تحت الإشراف والرعاية وننتظر حملها بتفاؤل, وهناك حالات نفسية تؤدي للإسقاط بسبب مضاعفاتها وتداعياتها.
المال والبنون وما توعدون
الباحثة الاجتماعية (زينب المعلم) تقول: اللجوء إلى السَّحرة والعرّافين ليس وليد اليوم في مجتمعنا, بل إنه أمر قديم حيث زاد الاعتقاد بأن العرّاف هو من يصنع المعجزات للشخص البسيط وحتى بعض المثقفين يلجأون له لحل مشاكلهم, لكون إيمانهم بالله وبقدرته على العطاء ضعيفاً, فالمؤمن الحقيقي يحل مشاكله العائلية بنفسه بما يرضي ربه.
وأضافت المعلم: من المؤسف حقاً أن أغلب زبائن السحرة مثقفون ومتعلمون من كلا الجنسين, حيث انتشرت تلك الظاهرة على نطاق واسع في الفترة الأخيرة برغم أن الساحر أو العرّاف يسعى للكسب المادي لا فائدة الناس, حيث يوهمهم بأنه سيعالج مشاكلهم ويحل عقدهم, وبالعكس فهناك من يفتقدن الأطفال لكنهن يتمتعن بإيمان لا حدود له في قدرة الخالق على رزق الناس بالمال والبنون بغير موعد ولا يعتقدن بالخرافات والأوهام, ولهذا أنصح الزوجات الراغبات بالحمل أو تجنب إجهاض الأجنة باللجوء إلى الله و إلى الأطباء الاختصاص باعتبارهم وسيلة للشفاء من كل داء.