سُجنتُ ظلماً فتخلى عني أقرب الناس!

116

افتح قلبك صفحة تُعنى بالمشكلات الأسرية التي تصل المجلة عن طريق البريد الإلكتروني أو أرقام هواتف المجلة نضعها أمام مجموعة من المتخصصين بقضايا الأسرة والمجتمع لإيجاد حلول لها.

المشكلة…

تقول السيدة (ص.ح) في رسالتها التي بعثتها الى صفحة (افتح قلبك) تعرض فيها مشكلتها أملاً في إيجاد حل لها:
“أنا سيدة متزوجة، منّ الله عليّ ببيت هانئ وأطفال حمدت الله عليهما كثيراً. وكأي بيت يعيش في ظروف طبيعية بحلوها ومرها تتخللها المناسبات العائلية المتاحة عموماً، ومناسبات وولائم (عزومات) عائلية خصوصاً. وهذا ماحدث، فقد صادف في يوم من الأيام أن عملت وليمة دعوت فيها أقارب يخصوننا، لكن كانت لنا معهم خصومات ومناكفات سابقة من التي كانت تحدث عادة بين الأقارب، لكنها انتهت في وقتها وتجاوزنا الموضوع حينها، وبحسن النية على نسيان الماضي دعوتهم الى الغداء عندنا، في وقت صادف في نهايته وفاة أحد المدعوين لأسباب أجهلها طبعاً. وكواجب اجتماعي في مثل هكذا ظروف، ذهبنا لمواساتهم وأداء واجب المناسبة الأليم ضمن السياقات المتعارف عليها اجتماعياً. وبعد انتهاء مراسم الفاتحة فوجئت بصدور أمر بإلقاء القبض علينا، متهمين إيانا بالتسبب بحادثة الوفاة. المهم.. أجريت التحقيقات مع كل من كان حاضراً في دعوة الغداء، لتستكمل التحقيقات بإطلاق سراح الجميع، إلا أنا، إذ اتهمت بالحادث. وليجري بعد ذلك -وباختصار شديد- الحكم علي بعشرين سنة سجن! لم يزرني أو يسأل عني أحد خلالها، لا من أهلي ولا من أقاربي، فقد تخلى الكل عني!
سلمت أمري الى الله الذي آمنت به ويعلم براءتي، وهو الأمر الذي شد من عزيمتي ورباطة جأشي، وأعطاني دافعاً تمسكت به داخل السجن، وزاد في ثقتي بنفسي فأصبح لدي عملي الخاص في السجن، وليتم الله علي جميله بالإفراج عني وإعلان براءتي من التهمة بعد ثلاث سنوات قضيتها ظلماً، لأخرج بعدها وأواصل عملي الذي بدأته داخل السجن بنجاح، وطورته لاحقاً، وهو الأمر الذي ساعدني في الوقوف على قدمي مرة أخرى وباستقرار مادي ممتاز، لأفاجأ بعد ذلك بفترة باتصال من أهلي يرغبون فيه بإعادة التواصل معي بعد تخليهم عني في عز أزمتي. لا أخفيكم سراً أن الأرض لم تسع فرحتي باتصالهم، فهم أهلي، دمي ولحمي وعشرة عمري، فرحت باعتقادي أنهم ندموا على ما بدر منهم تجاهي وتعويضي نفسياً عما لحق بي من ظلم كانوا شاهدين عليه، لكن ليتضح لي -بعد ذلك- أن سبب رجوعهم كان بسبب وضعي المادي الممتاز وحاجتهم المادية لي، وهو الأمر الذي جعلني أعيش في دوامة لا قرار لها، الذي يكمن في سؤالي لكم لمساعدتي في: هل يمكن أن أسامحهم وأنسى ماعملوه معي بتخليهم عني وقت شدتي باعتبارهم أهلي من دمي ولحمي؟ أم أن أرفض عودتهم الجديدة المبنية على المصلحة في حياتي الجديدة التي جعلتني أدرك وأفهم ما يدور حولي، بعيداً عن العواطف التي دفعت ثمنها غالياً من عمري ومن مستقبل أطفالي؟ انصحوني، فأنا في حيرة لا يعلمها إلا الله.

الحل…

الدكتورة شيماء العباسي، الاختصاصية التربوية النفسية، أجابت على الرسالة قائلة:
بدءاً أنت إنسانة شجاعة وقوية، لأنك لم تستسلمي أو تضعفي أمام أصعب موقف مررتِ به في حياتك بدخولك السجن ظلماً، بل إنك جعلتِ هذا الموقف الصعب طريقاً الى النجاح ولإثبات الذات، لك أولاً ولكل أهلك وأقاربك ثانياً.
أنا حقيقة معجبة بشخصيتك القوية التي أتمنى على كل امرأة أن تحذو حذوك وتجعلك قدوة لها في الحياة بمواجهة كل التحديات والصعاب، لأن ما مررت به هو امتحان من الله لإيمانك وصبرك وقدرتك على التحمل ومواجهة المصاعب والشدائد التي لا تخطر على بال إنسان، ولا تكون في الحسبان، إذ قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم). فأحياناً يضعنا الله سبحانه وتعالى في مواقف صعبة ليكشف لنا معادن الناس، الذين قد يكونون أقرب الناس إلينا، الذين لا نتوقع منهم أن يتخلوا عنا في مثل هذه المواقف. لذا فإن ما مررت به من ظروف قاهرة كشفت لك معادن الناس وسقطت أمامك الأقنعة الزائفة عن وجوههم. لذا اسمحي لي أن أطلق عليك لقب (المرأة الفولاذية). وهنا نصيحتي لك بعدم السماح لأي شخص، مهما كان قربه منك، أن يدخل حياتك مرة ثانية، حتى وإن كان أقرب الناس إليك، لأن من سجايا الإنسان المحب الحقيقي ما يقوم به من أفعال ومساندة ومؤازرة القريب والحبيب في المواقف الصعبة، إذ هنا يظهر معدن الإنسان وتظهر صلة الرحم الحقيقية. أما ما يقال في أوقات الرخاء وعدم الحاجة للآخرين فإنه مجرد كلام من السهل على الكل أن يقولوه لك ولغيرك، لكنه يبقى كلاماً من غير فعل. لذا سيدتي الفاضلة فإن عليك مواجهتهم بحقيقتهم وجهاً لوجه، ليعلموا أن هذه المحنه قد كشفت لك حقيقة أقرب الناس وجعلت منك إنسانه قوية لا تحتاج الى عاطفتهم المزيفة المبنية على المصالح، وأن كل إنسان لم يقف معك في محنتك خرج من حياتك نهائياً. وأتمنى ألا تسمحي لهم باقتحام حياتك مرة ثانية. اتمنى لك من الله أن ينور حياتك وطريقك وأن ينصرك على كل من يحاول أن يضرك.