شكوى نسائية صامتة: زوجي رجلٌ كئيب!

624

آمنة عبد النبي /

“كل مكانٍ لا يُؤنّثُ، لا يُعوّلُ عليه”.. ما تزال مقولة شيخ الصوفيّة الأكبر (ابن عربي) تصفع وجه هذا العالم الذكوري الذي كان يرفض التأنيث نداً وسنداً، وتذكِّره على الدوام أن البيوت الخالية من النساء هي بيوت ميتة. اليوم، وبعد مرور مئات السنوات، صرنا نستذكر بخجلٍ هذا الصراع (الجندريّ) الذي ما يزال فيه الرجل (ترنداً) ذكورياً بينما نقف نحنُ على عتبات الهامش.
ترى لماذا يعدّ الرجل البيوت الخالية من امرأة متوهجة هي بيوت تعيسة مع سبق الإصرار، وما علاقة عبوس العينين وتقطيب الحاجبين بالهيبة الرجولية الضائعة ما بين أفراد العائلة، وهل حقاً أن الرجل اللعوب يخفي خيانته بالكآبة الغاضبة التي تحلّ على الجميع بمجرد دخوله البيت؟

خيبات وتعاسات
” الزوجة الصامتة هنا تُشبه مصفاة الذنوب العشائرية، إنها تدفع ظلماً فاتورة خيباته الماضية، من جانب آخر تدفع فاتورة حياتها المؤثثة بالسوداوية معه، أيّ قدر تعيس هذا؟”
بهذا الرأي الغاضب مما تتحمله النساء التعيسات لمجرد أن (سي السيد) اختار لها بيتاً غاصاً بالكآبة، بدأت المختصة في علوم الأحياء الدقيقة (زينب عبد الرزاق) حديثها من السويد:
نشأة الرجل في عائلة منغلقة ومتشابهة في طباعها الذكورية، كأن يكون أبوه وأخوه البكر مشتركَين في نفس القالب المتوارث، وهو ما يُلزم الزوجة بقبوله، لذلك نجد جانب العبوس والكآبة في شخصيته أمراً طبيعياً، إذ لا أحد يحق له أن يُجبره على أن يبتسم، أو قد يكون السبب أنه أُجبر على الاقتران بزوجته، ولا سيما في الزيجات العشائرية، ولا أحد يجرؤ أن يطلب منه الكف عن إشراك غيره في خيباته.
كانت لي جارة دائمة الشكوى من زوجها الكئيب داخل البيت، وكان هذا قد اضطر إلى الزواج بها بعد وفاةِ أخيه (زوجها السابق)، علماً أنه خارج البيت يختلف تماماً. أما الدوافع المتعلقة بقضية الهيبة واشتراطها الحاد فلا استبعد ما أورثتنا إياه التقاليد التي ترسم للرجل صورة قاسية وصلبة داخل المنزل لإحكام السيطرة على الجميع. وبحكم أنه المُعيل وصاحب البيت، ولاسيما أن تلك النقطة في مجتمعاتنا تعطيه الأحقية في قرار فرض السيطرة والانتشاء بملامح العبوس، على أساس أن مشاغل الحياة تكون ضاغطة على الرجال لدرجة لا يستطيع أحدهم الفرز بين الظروف وطريقة التعامل مع المحيطين. وللإنصاف يجب أن ندرك تماماً أن طبيعة النفس البشرية بصورة عامة هي إلقاء اللوم على الآخر لإبعاد الشبهة عن نفسها، لذلك يجب ألّا نغفل أيضاً وجود نساء يلقين باللوم على الرجال زوراً وثرثرة، وأن البيت تعيس يسيطر عليه الوجوم والجمود بسببه فقط.
استهتار وتفاهة
“السعادة أبسط ما تقدمه المرأة داخل بيتها الذي يقضي الرجل خارجه جلّ يومه البائس مهرولاً خلف لقمة العيش، وبدلاً من أن تخفف عنه، تطلب منه ألّا يكون كئيباً، أيّ منطق أعور هذا؟”
بانزعاج خفيف واستفهاماتٍ غريبة، بدأ رجل الأعمال (حيدر الجريخي) حديثه قائلاً: الكآبة المتوفرة بكثرة في زوايا بيوتنا أنا أعتبرها ظاهرة غريبة، لكنها طبيعية في الوقت ذاته قياساً لما أحدثته برامج السوشيال ميديا داخل مجتمعنا وتحت سقوف بيوتنا من تفكك وتباعد، البيوت التعيسة هي البيوت التي ليست فيها امرأة متجددة، لأن السعادة طوال حياتها كانت صفة مؤنثة فطرياً. لكن المرأة اليوم لم تعد السند المتين في الشدائد والمحن، نحن أمام سيدات لا يأبهن لأي شيء سوى رفاهيتهن وانشغالهن بما يُباع ويُشترى ويُطرح على صفحات التواصل الاجتماعي، صِرنَ عبارة عن صالونات ومراكز تجميل متنقلة ومتهافتة على تقليد أتفه الأشياء والموديلات، كل هذا مطلوب دفع ثمنه من الرجل الذي يقضي جلّ يومه راكضاً خلف لقمة العيش، وبدلاً من التخفيف عنه، تطلب منه ألّا يكون كئيباً وسوداوياً، وكأن الرجل آلة بشرية مُلزمة بالتحول الفوري، علماً بأنني لا أنفي عن بعض الرجال أنهم يحاولون إخفاء خياناتهم خارج المنزل بعبوس الملامح، لكن هؤلاء ليسوا السواد الأعظم لما يعانيه الرجال في طرقات المعيشة الوعرة.

أعذارهُ مُسلفنة
“ما يزعجني هو، لماذا يعطي الحق لنفسه بتخريب حياتها وإطفائها، ايّ عقل يرتضي الصمت على رجلٍ يتصرف بملامح وجهه حسب مزاجه؟”
الطبيعة الثلجية لمدينة (بودن)، الواقعة شمال السويد، لم تُسعف المتخصصة هناك في مجال البحث التربوي (جيهان زنكنة) في تخفيف حدةِ انفعالاتها التي سبقتها بحسرة قائلة: تخيلوا معي أن المرأة التي كانت مفعمة بالحياة والفرح والابتسامة في بيت أهلها، فجأة تحولت إلى مخلوقة بائسة لمجرد أن أحدهم قرر لهذا السقف المشترك بينهما أن يصطبغ بلون ونظام وتفصيلة على مزاجه. ترى لماذا يعتقد الرجل أن بإمكانه التصرف ضمن اللاحدود وفي كل شيء، والأمَرّ من ذلك ألّا أحد يحق له أن يحاسبه ويأمره بالتوقف عن هذا النكد المفتعل، وإذا ما حاججته بكل هذا فسوف تلاقين العذر (المسلفن) عن ظروف المعيشة، وكأنما لا أحد في الحياة سواه يعمل ويشقى. ليس ذلك فحسب، بل ينبري المدافعون عنه من كلِ حدب وصوب، مع أننا لو قلبنا الآية وأعطينا للمرأة حق التصرفِ بملامحها، لوجدنا الجميع يدينها ويتهمها بأنها شؤمٌ في البيت.

هرمونات وتقلبات
” النكد والتعاسة من أنواع الارتياح النفسيّ لدى بعض النساء لدرجة لا يمكن معها أن يمر يوم دون شحن البيت بطاقة كافية من السلبية، يبدو أن القضية مرتبطة بجوانب نفسية وهرمونية.”
بهذا التشخيص (السوسيولوجي) من هولندا، عبَّر المدير العام لوكالة (سومريون) الثقافية (راجي الزهيري) عن رأيه قائلاً:
غالباً ما تصدر من الرجل ردة فعل على ما يوجد في البيت، بما فيه الاعتياد اليومي على جو البيت الذي يخلق مللاً طبيعياً بحكمِ التدوير لكل ما يُقال ويتكرر، ولا أعرف ما الغاية من تحديد الكآبة وتخصيصها بالرجل، فالدوافع لأي سلوك إنساني معين، سواء عند الرجل أو المرأة، يجب أن تُدرس وتؤخذ في الحسبان نفسياً واجتماعياً، وحتى هرمونياً، قبل إطلاق المسميات وتحديد الأحكام بشخص لشخصه فقط.
إنعاش الحياة الزوجية داخل البيت هو مسؤولية الطرفين، وأي إخلال وتعكير يتحمله الطرفان، علماً أنه إذا كان الرجل دائم العبوس والانزعاج والتململ، فلربما جاء سلوكه هذا ردَّ فعل لما وصلت إليه الزوجة من تنغيصات يومية واستفزازات شبه دائمية، هنالك بيوت يدخلها الرجال كإسقاط فرض لشدةِ ما يعانونه من كظم وكتم، بالمقابل هنالك رجال مُقيدون داخل بيوتهم بقالب سلوكي معين تفرضه (الثيمة) الأبوية المُلزمة للجميع باحترام الذوق داخل العائلة، وهذا الأمر موجود، لكنني لا أعتقد به أبداً، وإلى جانب هذا كله هنالك نساء يجلبن النكد والشؤم للبيت بأية طريقة للتعبير عن رفضهن لما يحدث فيه.