طفل اليوتيوب.. محتال ومريض نفسي!

163

زهراء الحسني /

يقولون إنهم لن يعودوا أصحاء نفسياً مهما حاول الأبوان تنقية عقولهم المتشبعة بثقافة الانعزالية الإلكترونية المُريبة، ولن يعودوا من رحلة إدمانِ اليوتيوب أسوياء في المجتمع كما هو الحال بأخطاء البناء في أسسه.
ببساطة لأن طفل اليوتيوب يصرف حواسه عن محيطه وأهله ويركزها مع (ماوس) وشاشة غريبة، لذلك تتجمد مشاعره ويتحول الى روبوت، علماً بأن اليوتيوب يعطي الأهل راحة سحرية، إذ أنه يصرف الأطفال عن إثارة المشاكل، وهو في نظرهم منجز لإحلال الهدوء في البيت!
ترى لماذا أصبح أطفالنا أسرى للتقنيات المسمومة وسباق الأرباح والغلبة من كل الاتجاهات؟ وماذا سيكون مصير الجيل القادم الذي سيعاني مبكراً من مشاكل الكبار كـ الفقرات وضعف الحواس، إضافة الى السلوكيات العدوانية والاحتيال والاضطرابات النفسية؟
مناعة تربوية أخلاقية
“لستُ من أمهات الطشّة واللامبالاة، وإنما حريصة جداً على هذا الجانب وأدرك خطورة أن يتحول طفلي الى مضطرب نفسي او مجرم مؤجل”..
بهذا الحذر الأمومي والحرص من محاذير الإدمان على اليوتيوب، تحدثت (آلاء ناصح ) عن تعاملها كأم، قائلة:
“يقضي أطفالي أوقاتاً منفصلة ومتفرقة باللعب ما بين الموبايل واليوتيوب، ثم أخصص برفقتهم ساعتين للتحدث وأشاركهم ألعابهم أو أرسم لهم رسومات، وهم يلونون الرسومات، واسألهم أسئلة تناسب عمر كل منهم والمحتوى الذي يشاهدونه، أغنيات أطفال وأفلام كارتون تعلمهم حسن السلوك والتصرف مع إخوانهم أو أغنيات باللغة الإنكليزية وألعاب تعليمية تعلمهم الأرقام والحروف، تحت إشرافي ومشاهدتي معهم. وهكذا أسيطر عليهم وأخلق لديهم مناعة تربوية لرفض الإباحيات، وأيضاً أحصنهم بتقييد اليوتيوب الخاص بالكبار، ولا شك في أن زرع روح الصداقة بيني وبين أولادي يلعب دوراً كبيراً في الثقة، لأنها ضمن حدود الاحترام والأمان، فإذا أخطأ أحدهم أوضح له الخطأ من دون تخويف، وبذلك سيكون صادقاً ولن يخفي او يكذب مع أمه، لأن الطفل يتعلم الأشياء الجيدة أو السيئة من الأم.”
التربية مسؤولية مشتركة
عن فارق التربية ما بين صلابة الأب وعاطفة الأم من ناحية السيطرة على الطفل في البيت، والالتزام بترك الإدمان على اليوتيوب، تحدث (أحمد فارس) بهدوء:
“التربية مهمة مشتركة بين الأب والأم، إذ يكون الطفل نتاجاً فكرياً وثقافياً لكلا الوالدين، لكن هناك مسؤوليات خاصة بالأب وأخرى خاصة بالأم، وكذلك هناك اختلافات بين تربية الذكر والأنثى. أما في ما يتعلق بإدمان استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للطفل، فيجب تقنين استخدام هذه المواقع لما لها من تأثيرات سلبية على صحة العين والعقل، وتقليل المهارات الإبداعية والتواصل مع المجتمع، كما أنها قد تؤدي الى إصابة الطفل بمرض التوحد، فمسؤولية الأبوين تحتم عليهما تقليل استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والاستعاضة عنها بالهوايات والمهارات الفنية، كقراءة الكتب وتشجيع الطفل على المشاركة في الفعاليات الثقافية والاجتماعية والأنشطة الرياضية بما ينعكس إيجاباً على بناء شخصية الطفل ليكون مؤهلاً للتعامل مع المجتمع ويكون أكثر إبداعاً، علماً بأن لكل عمر في حياة الابن خصوصية من ناحية التربية، إذ عندما يتقدم الابن في العمر يختلف أسلوب التعامل معه تقديراً للخصوصية العمرية، وعندما يصل الى سن النضج فإن على الأب أن يتعامل مع ابنه كشخص ناضج، وأن يكون صديقاً له، وأن يتعامل مع كل مشكلة يواجهها الابن بهدوء وعقلانية لكي لا تتكون هناك حواجز بين الأب وابنه، ولكي لا يكون عرضه لاستغلال رفاق السوء.”
انعزالية وإدمان قاسٍ
وعن الطاقة الاستيعابية والذكاء ما بين الطفل الذي يقضي ساعات طوال أمام اليوتيوب، والطفل البعيد عنها، شخصت الباحثة والتربوية (نور فارس) بإسهابٍ شاملٍ جوانب عدة ، قائلة:
“ضرورة تواجد الطفل في بيئة توفر له الترفيه بمقدار كاف يغنيه عن الاستخدام المفرط لليوتيوب، وبما يشكل فرقاً واسعاً في تفكيره واستيعابه. يُقصد هنا الترفيه عن طريق ممارسة هوايات معينة كالرسم والتلوين، أو الترفيه المتضمن الأنشطة البدنية كالرياضات السهلة، جميعها تؤدي الى تنشيط التفكير الإبداعي عند الطفل، ما يسهم بتعرف الطفل على نفسه ومحيطه بشكل أفضل. لأن طرح الأسئلة يعتبر تغذية لفضوله وإيجاد حلول لمشكلاته البسيطة، في حين أن الطفل الذي يقضي ساعات طوال على اليوتيوب، بحيث يكون البرنامج محيطهُ المؤثر فيهِ، والوحيد الذي يتفاعل بمقدار بسيط مع ما يشاهد أو لا يتفاعل على الاطلاق، فإن ذلك يسهم في تطبيع الانعزالية لدى الطفل وعدم رغبته بالتواصل الفعال مع الأطفال ممن هم بعمره، وقد يتطور الأمر بنبذه النشاط الجسدي المفيد لهُ، لأنه يجد راحته بالجلوس فترات طوال على الشاشات”.
وعن الفارق بكون الإدمان على اليوتيوب ضاراً بالطفل أو مفيداً ومنعشاً، أضافت:
“يكون اليوتيوب مفيداً للطفل عندما يحقق حاجة ثانوية لنمو او تطوير الطفل، مثلاً عندما يكون جزءاً من بيئة أكبر مع أجواء أخرى، كسماع الموسيقى التي تنشد بأسماء او مفردات جديدة على الطفل، بهذه الطريقة يرتبط التعلم بالمرح عند الطفل وينشط الذاكرة الصورية حين يقوم بالإشارة والرقص مع الأناشيد وغيرها من الطرق المختلفة، على أن لا يتجاوز الوقت اليومي الـ ٣٠-٤٥ دقيقة.
جدير بالذكر أن كلاً من الأب والأم والمعلمة يعملون كمؤثرات أخرى عديدة كوحدة واحدة في التأثير (السلبي او الإيجابي) على أفكار الطفل وتوجهاته، فهو يرى في والديه نموذجين للبالغين، وعليهما يتخيل ويفترِض كيفية حياة البالغين، وعن طريقهما يضع تصورات عن هيكلية العائلة والشراكة والزواج إذ يصبحان نموذجين للحياة الاجتماعية المستقبلية للطفل، وكذلك معلمته، التي يرى فيها شعلة من العلم والمعلومات التي لا تنضب، فيتبني آراءها او نصائحها حتى ينضج.”