عمليات استخدام الأنسجة الجنينية في الأبحاث تحقق تقدما طبيا هائلا
أثار استخدام أنسجة الأجنة المجهَضة جدلًا واسعا في الولايات المتحدة، بيد أن العديد من العلماء يقولون إن استخدامها ضروري في الأبحاث المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية، وأبحاث النمو، وفي كثير من الأبحاث الأخرى.
الأنسجة الجنينية
يتلقَّى (ليشان سو) كل شهر أنبوب اختبار صغير محاطا بالثلج من شركة في ولاية كاليفورنيا، يحتوي على قطعة من كبد جنين بشري تم إجهاضه بعد 14 ـ 19 اسبوعا من الحمل.
يقوم (سو) وطاقم عمله في جامعة كارولينا الشمالية في تشابل هيل بطحن الكبد بعناية، ووضعه في جهاز الطرد المركزي، ثم استخراج وتنقية الخلايا الجذعية منه المكوِّنة لأنسجة الكبد وخلايا الدم، التي يقومون بحقنها في أكباد الفئران حديثة الولادة، ثم يتركون هذه الفئران حتى تكبر وتنضج. ينتج عن ذلك الإجراء عددا من الفئران التي “تحمل صفة من الصفات البشرية”؛ حيث تكون تلك الفئران هي الوحيدة التي بداخلها كبد بشري، وخلايا مناعية. وبالنسبة إلى سو، تُعد تلك الحيوانات في غاية الأهمية لأبحاثه المتعلقة بنوعي التهاب الكبد “بي”، و”سي”، حيث تسمح له بتتبُّع كيفية تهرُّب الفيروسات من جهاز المناعة البشري، وتَسَبُّبها في أمراض الكبد المزمنة.
حاول سو الحصول على فئران تحمل صفة من الصفات البشرية بتقنيات أخرى، لكنه فشل. يقول: “إن استخدام الأنسجة الجنينية ليس خيارا سهلا، لكن حتى الآن ليس هناك خيار أفضل، حيث يَعتمِد الكثير من الباحثين في الطب الحيوي على أبحاث الأنسجة الجنينية؛ لإنقاذ الأرواح، وأعتقد أن كثيرا منهم لديهم الشعور نفسه تجاه هذا الأمر”.
غضب عارم
صاحَب الأبحاث الأمريكية، التي تَستخدِم الأنسجة الجنينية، مناخٌ ملتهب منذ أشهر، عندما قام “مركز التقدم الطبي” في إرفين بكاليفورنيا ـ المُناهِض للإجهاض ـ بنشر مقاطع فيديو، تم تصويرها سرا، يظهر فيها أطباء ـ تابعون لاتحاد تنظيم الأسرة الأمريكي ـ وهم يناقشون ـ بشكل صريح، وبعدم مبالاة ـ أمر أَخْذهم لأعضاء الأَجِنّة المُجْهَضة؛ لاستخدامها في البحوث. وهذا الاتحاد هو منظمة غير هادفة إلى الربح، تهتم بصحة المرأة، وتلقَّت في عام 2014 مساعدات مادية من الحكومة، بلغت 528 مليون دولار أمريكي، جزء كبير منها مخصَّص لتقديم خدمات للنساء الفقيرات على وجه خاص، بدءا من وسائل منع الحمل، إلى اختبارات الكشف عن السرطان. وتشكِّل عمليات الإجهاض ـ التي تتم فيما يقرب من 350 عيادة من أصل 700 عيادة تابعة للاتحاد ـ 3% من الخدمات المقدَّمة، وتقوم حفنة من العيادات في ولايتين بتوفير أنسجة جنينية للأبحاث.
بحوث
تُظْهِر البيانات أنه في عام 2014، مَوَّلَت “معاهد الصحة الوطنية الأمريكية” 164 مشروعا تُستخدَم فيها هذه الأنسجة، بتكلفة قدرها 76 مليون دولار؛ أي أقل من نصف ما أنفقته على أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية البشرية، التي كانت مثيرة للجدل أيضا، و0.27% من إجمالي ما انفقته على البحوث كلها (وهو 27.9 مليار دولار).
وبتحليل مشروعات “معاهد الصحة الوطنية الأمريكية”، يتضح أن الأنسجة تُستخدم بكثرة في الأبحاث المتعلقة بالأمراض المعدية، خاصة فيروس نقص المناعة البشرية، وفي دراسة وظيفة شبكية العين وأمراضها، ودراسات عمليات نمو الجنين الطبيعية والشاذة.
من جانبهم، يقول المعارضون إن استخدام هذه الأنسجة ليس ضروريا، إذ يمكن استخدام نماذج وتقنيات أخرى. يقول ديفيد برنتيس، نائب رئيس معهد شارلوت لوزيير ـ الذراع البحثي للمنظمة المناهضة للإجهاض “سوزان بي. أنتوني ليست” Susan B. Anthony List في واشنطن العاصمة ـ ومدير الأبحاث هناك: “هذا عِلْم بالٍ، وهناك بدائل أفضل وأكثر نجاحا”.
تقدُّم طبي ضخم
أما أنصار هذه البحوث، فيردّون قائلين إن الأنسجة الجنينية يتم الحصول عليها بشكل قانوني، وإنْ لم تُستخدم؛ فسيتم التخلص منها، كما إن هذه الأبحاث قد أدّت بالفعل إلى تقدُّم طبي ضخم، ولو كانت هناك بدائل أفضل؛ لاستخدموها. يقول كاري وولينيتز، المدير المساعد لسياسات العلوم في معاهد الصحة الوطنية الأمريكية: “إن الأنسجة الجنينية أنسجة مرنة، وغير متمايزة بالكامل، وهي تنمو بسهولة وتتكيف مع البيئات الجديدة، ما يسمح للباحثين بدراسة علوم الأحياء الأساسية بشكل جيد، أو استخدامها لأعمال بحثية، لا يمكن فيها استخدام أنسجة البالغين”.
تَلَقَّى ما يقرب من 5.8 مليار شخص لقاحات مصنوعة من السلالات الخلوية تلك، التي أصبحت هي وغيرها من الأدوات المعملية الأساسية في دراسات الشيخوخة، وسُمِّية الدواء، مع العلم بأن لوائح الولايات المتحدة التي تنظم استخدام الخلايا الجنينية الجديدة لا تشمل الأبحاث التي تستخدم هذه السلالات، وهي لا تُسجَّل في قاعدة بيانات “معاهد الصحة الوطنية الأمريكية”.
السنوات الـ25 الماضية؛ شهدت التقدُّم في العديد من الجوانب الطبية، بما في ذلك الطفرة التي حدثت في إنتاج أدوية التهاب المفاصل، والبروتينات العلاجية المضادة للتليف الكيسي، وكذلك مرض سيولة الدم “الهيموفيليا”.
“إن استخدام الأنسجة الجنينية ليس خيارا سهلا، لكن حتى الآن ليس هناك خيار أفضل”.
تراكم الطفرات
تُعد سلالات الخلايا الجنينية المتوفرة محدودة الاستخدام بالنسبة إلى الكثير من العلماء، إذ إنها لا تحاكي الأنسجة الأصلية بدقة، وتمثل فقط مجموعة فرعية من الخلايا، إذ عُزلت سلالات “WI-38″ و”MRC-5” من رئة جنينية، على سبيل المثال. ويمكن أن تتراكم الطفرات أيضا مع مرور الوقت في السلالات، بعد تكاثرها في المختبر. كما يتطلب تخليق فئران تحمل صفة من الصفات الإنسانية ـ مثل فئران سو ـ قِطَعا كاملة من الأعضاء الجنينية؛ لتوفير أعداد كافية من الخلايا الجذعية. من أجل ذلك كله، يتوجه الباحثون نحو الأنسجة الجاهزة.
¶بتصرف عن “Nature” دورية العلوم الدولية متعددة التخصُّصات.