عمل المـرأة يسهـم في استقلاليتها..
ملاذ الأمين /
احتفل العالم باليوم الدولي لوقف العنف ضد المرأة من خلال فعاليات ومؤتمرات وورش عمل بدأت من ٢٥ تشرين الثاني ولغاية ١٠ من كانون الأول…
ووصفت هيئة الأمم المتحدة العنف الذي تتعرض له النساء بأنه “كل عمل ينتهج إيذاء المرأة جسدياً أو نفسياً، وما يعرضها إلى الجوع أو الإذلال”، وعزت ذلك إلى الإرث المجتمعي والتقاليد، إضافة إلى الضغوطات الاقتصادية، وأكدت الأمم المتحدة -وفق دراسة أعدتها- أن ثلث النساء في العالم يتعرضن للعنف، وهذا مؤشر خطير إذا ما علمنا أن هذا العنف لا يمارس ضد المرأة فقط في المجتمعات النامية، وإنما في المجتمعات الغربية أيضاً.
نصف المجتمع
تشكل المرأة -في جميع المجتمعات- نسبة تزيد أو تقل قليلاً عن 50٪ فهي الأم والجدة والزوجة والأخت والصديقة والزميلة، بمعنى أن هذه الـ 50٪ تجد فيها المعلمة والمهندسة والطبيبة والعاملة، بمعنى أن المرأة حالها، كالرجل، بإمكانها أن تعمل، إضافة إلى واجباتها المنزلية، إلا أن الضغوطات المجتمعية في غالب الأحيان تجبر أولياء الأمور على منع عمل المرأة تحت عنوان أن المرأة عملها في بيتها لخدمة زوجها وأولادها…
وعدّت الأمم المتحدة منع المرأة من مزاولة عملها لكسب رزقها نوعاً من أنواع العنف، ودعت إلى توفير فرص العمل لها أسوة بالرجل، لتتمكن من تحقيق استقلالها اقتصادياً وزيادة مدخول أسرتها المالي وتحقيق أهداف التنمية. ودأبت المنظمات النسوية، في العراق خصوصاً، منذ خمسينيات القرن الماضي على محاربة الأفكار التي تمنع عمل المرأة خارج منزلها، ونشطت بالتثقيف باتجاه أن المرأة بإمكانها العمل في الدوائر الحكومية والمعامل الأهلية إلى جانب عملها في بيتها، وبإمكانها أن تحقق إنجازات كبيرة في مجال تخصصها فيما لو أتيحت لها الفرصة.. وكانت نتيجة الفعاليات المتواصلة من قبل هذه المنظمات، وبدعم من الحكومات المتعاقبة، التي ظهرت بعد عدة عقود، أن تبوأت النساء مفاصل مهمة في الحكومة، واتسعت رقعة النساء العاملات وطالبات الكليات والمعاهد، وأصبح عمل المرأة خارج بيتها شيئاً طبيعياً، وتتساوى النساء مع الرجال في الأجور والمرتبات.
إن حجر نصف المجتمع في البيوت، بعيداً عن الأعمال الإنتاجية يتسبب بتعطيل نصف طاقات المجتمع ويؤخر تقدمة، ويقلل من دخله القومي. فلو افترضنا أن الزوج والزوجة بإمكانهما العمل بأجر شهري يبلغ ٧٥٠ ألف دينار لكل منهما، فإن الأسرة سيكون دخلها الشهري مليوناً ونصف المليون دينار، وهذا المبلغ كاف لمعيشة الأسرة ودفع تكاليف السكن والطعام والملابس والنقل وبالإمكان الادخار لتحقيق رغبات الأسرة في تحسين أحوالها.
لكن لو كان الرجل يعمل بمفرده دون زوجته، فإن دخل الأسرة الشهري سيبقى ٧٥٠ ألف دينار، وهذا المبلغ سيكون غير كاف للمعيشة، ما يتطلب أن يعمل الزوج عملاً إضافياً لكي يصل دخل الأسرة إلى مليون دينار شهرياً، وربما يكون هذا الدخل جيداً للأسرة، لكنه سيعرض الزوج للإنهاك والتعب، ويكون معرضاً للإصابة بالأمراض سواء الجسدية أو النفسية.
معامل المنازل
في ستينيات القرن الماضي، ومع نجاح الثورة الصينية، ولغرض دعم الاقتصاد الوطني الصيني، ابتكرت الحكومة طريقة (معامل المنازل)، هذه الطريقة تتلخص في أن العائلة المكونة من خمسة أفراد بإمكانها إنتاج سلعة بسيطة مثل لعب الأطفال، مشابك الشعر، ملابس..
الخ وتقوم الحكومة الصينية بتزويد معامل المنازل بالمواد الأولية، مثلاً تقوم بتزويد هذه المنازل بمئة جسد للعبة تقوم النساء بتلوينها وإجراء الأعمال النهائية للسلعة من تغليف ورزم، مقابل أجر تمنحه الحكومة عن كل قطعة منتجة من السلعة.هذه التجربة أفادت الحكومة الصينية والمجتمع أيضاً، فالحكومة تمكنت من تشغيل عشرات الملايين من النساء وحققت زيادة في الإنتاج دون الحاجة إلى معامل أو أجهزة تدفئة أو طاقة كهربائية، أي إنتاج نهائي للسلع بتكلفة زهيدة. بالمقابل فإن النساء كن يعملن بعد إنجاز واجباتهن المنزلية، وحققن أجوراً جيدة ودخلاً إضافياً، بعيداً عن جهد التنقل للوصول إلى المعمل في وقت محدد..
رصيف البطالة
في عام ٢٠٠٣ أصدرت سلطة الائتلاف قرار السوق المفتوحة والسماح باستيراد جميع أنواع السلع، فأغرقت السوق العراقية بالسلع الرديئة والرخيصة ووضعت المنتجات الوطنية في تنافس غير مشروع، ما أدى إلى خسائر كبيرة في القطاع الإنتاجي الوطني، تدهورت على إثرها الصناعة والزراعة، فأغلقت غالبية المعامل الحكومية ومعامل القطاع الخاص، وتحولت تلك المعامل، التي كان يعمل فيها مئات العمال، إلى مخازن للسلع المستوردة، ووظف أصحاب المعامل أموالهم في التجارة والاستيراد، ما أدى إلى اتساع رصيف البطالة مع قتل القطاع الصناعي.ورغم المناشدات والمطالبات، من قبل البرلمان والخبراء، بضرورة اتخاذ إجراءات لضبط الاستيراد ودعم المنتج الوطني الزراعي والصناعي، إلا أن إجراءات الحكومة كانت بطيئة وخجولة لم ترقَ إلى إعادة القطاع الإنتاجي إلى سابق عهده، ما أدى إلى اتساع رصيف البطالة، إذ يتخرج سنوياً من الجامعات العراقية ما يزيد عن70 ألف طالب، نصفهم طالبات، لكن لا يتمكن 10٪ من الخريجين من الحصول على فرصة عمل.لذا ينبغي على الحكومة تنشيط القطاع الخاص ودعمه من خلال إصدار القوانين والضوابط وتسهيل الإجراءات وتشجيع إقامة المشاريع الصغيرة، كالمعامل المنزلية، أو ورش التصليح الصغيرة لتمكين الخريجين والخريجات من العمل والإنتاج، ما سوف يسهم في عملية تدوير الأموال والإنتاج وزيادة الأرباح وتحقيق التنمية المرجوة.