فارسات العمل.. على صهوة مواقع التواصل الاجتماعي

1٬018

إيفان حكمت/

نساء عراقيات يزرعن الحياة ويسقين الأمل ويحصدن بعد الجهد ثمرة العيش الكريم واطمئنان ارواحهن الرقيقة على فلذات اكبادهن ومستقبلهم. ومع ازدياد أعداد النساء المطلّقات والأرامل التي تجاوزت خط المليونين، بحسب الإحصاءات الرسمية، ومع وقف التعيينات في وزارات ومؤسسات الدولة لأسباب تتعلق بالأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعراق إثر الهبوط الحاد في أسعار النفط عام 2015، اصبح الكل يبكي ليلاه، وجدت المرأة العراقية نفسها وجها لوجه أمام تحدي توفير لقمة العيش ومستلزمات الحياة اليومية، فلجأت الى انماط جديدة من العمل تتيح لها الحصول على الأموال المطلوبة لعيشها هي وأطفالها، مثال على ذلك الأعمال المنزلية وتسويقها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي لسد متطلبات المعيشة دون أن تمس كرامتها بمهن انتشرت في الآونة الاخيرة بشكل لافت، كالتسوّل، وممارسة البغاء، أو العمل في مراكز المساج والتي لا تبتعد كثيراً عن ممارسة البغاء ولكن بطرق شبه قانونية، والحفاظ على كرامتها التي غالبا ما تتعرض للامتهان حين تضطر للعمل في المكاتب والشركات الخاصة، فضلا عن تعرضها لأزمات انسانية واجتماعية نتيجة أماكن وساعات العمل الطويلة المضنية.

تسويق وقروض ميسرة

مروة عبد الأمير، امرأة مطلقة وأم لثلاثة أطفال رغم انها لم تتجاوز السادسة والعشرين من عمرها، تروي لـ”الشبكة” تجربتها مع صناعة (الكيك) في منزلها حسب الطلب وتوصيله الى اماكن سكن زبائنها. تقول مروة إنها “طورت مهاراتها بصناعة الكيك عبر الانترنيت، وأنشأت صفحة على الفيس بوك نشرت فيها صور منتجاتها ورقم هاتفها وقامت بنشر الصفحة ضمن إعلانات الفيس الممولة”. وتضيف مروة انها “لم تأخذ عملها على محمل الجد في بداية الامر، لكن حجم الطلبات شجعها كثيرا، خصوصا في فترات المناسبات وأعياد الميلاد، ما وفر لها دخلا جيدا يكفي التزاماتها البيتية ومتطلبات أطفالها الثلاثة”.

أما رشا محمد، وهي أرملة وتحمل شهادة جامعية، فقد اتفقت مع أحد تجار السوق العربي الذي يستورد ملابس الاطفال من الصين على التسويق من منزلها لقاء عمولة جيدة.

تقول رشا لـ”الشبكة”: “منذ بداية عملي على صفحات التواصل الاجتماعي كنت واثقة من النجاح، فقد قررت ان أكون واضحة مع زبائني من حيث صناعة المنتج ونوعية القماش والألوان، كما منحتهم حرية قبول المنتج أو رفضه في حال لم ينل رضاهم، وبهذا الاسلوب حققت نسبة جيدة من المبيعات التي تدر عليّ مبلغا من المال يوازي، إن لم يزد، مرتبات الوظائف الحكومية”، فضلا عن ذلك، تضيف رشا، “فقد وظفت أخي معي من خلال خدمة التوصيل بسيارته الخاصة التي سدد قسما من أقساطها عبر هذا العمل”.

وتتمنى رشا على المصارف الحكومية والأهلية الاهتمام بشريحة الشباب من خلال تقديم القروض الميسرة بفوائد بسيطة ودون تعقيدات خصوصا في الضمانات المطلوبة، لكي يمولوا مشاريعهم بانفسهم دون اضطرارهم للجوء الى التجار الذين يحصدون قسما كبيرا من ريع جهدهم في التسويق.

فطائر شامية في بغداد

ولنهلة منصور قصة أخرى من قصص النساء اللواتي وجدن أنفسهن في العمل والتسويق عبر صفحات التواصل الاجتماعي، ترويها لـ”الشبكة” بقولها انها “قضت وطراً من سنواتها الخمس والعشرين في سوريا، فقد ذهبت مع عائلتها إبان الصراع الطائفي الذي عصف ببعض المدن العراقية عام 2007″، وتضيف، انها “تعلمت صناعة الفطائر الشامية واللبنانية في دمشق، وبعد عودتها الى بغداد فكرت بفتح مطعم للفطائر، لكن الإيجارات الباهظة وخوف أبيها من المخاطرة بخسارة المبلغ الذي قد يضطر لاستدانة أكثر من نصفه جعلها تعدل عن فكرة المطعم واللجوء الى تسويق منتجاتها عبر صفحات التواصل الاجتماعي”، وتؤكد نهلة ان “منتجاتها لاقت رواجاً لافتاً، خصوصا انها تستخدم اللحم العراقي حصرا برغم ارتفاع سعره، إلا ان زبائنها وأكثرهن من الموظفات يدفعن الفرق بالسعر برحابة صدر، حتى أصبح لها عدد من الزبونات اللواتي يطلبن منتجاتها بشكل دوري، علاوة على تجهيزها للولائم التي تتطلبها المناسبات، كالأعراس وحفلات الخطوبة وأعياد الميلاد”، وتزيد، انها “الان تفكر جديا بتحقيق حلمها بفتح مطعم للفطائر من مالها الذي تحقق من خلال أرباح عملها”.

ظاهرة صحية

ظاهرة عمل المرأة في البيت وتسويق منتجاتها عبر صفحات التواصل الاجتماعي أصبحت شائعة برغم انها ولدت من رحم الحاجة الى سد متطلبات العيش الكريم والابتعاد عن المنغصات الناجمة عن العمل في القطاع الخاص، وتصف الناشطة المدنية منال العطية هذه الظاهرة بالصحية، مؤكدة لـ”الشبكة”، ان “المرأة العراقية باتت الآن أقوى من أي وقت مضى نتيجة خوضها معترك الحياة العملية وتحررها من سلطة رأس المال الذكورية سواء من الزوج أو الأب أو الأخ”.