في بيتنا خادمة.. نخاسةٌ اجتماعيةٌ أم حاجة فعلية

688

آمنة عبد النبي /

يُقالُ إن هَوَس حديثي النعمة وأثرياء الصدفةِ بالميديا الطبقية لا يُشفى إلاّ بإشهارها وتصويرها وهي تمشي بخضوعٍ خلف (السيدة الثرية) التي تقتادها بلا ذوقٍ أو حياءٍ في المولاتِ والمطاعمِ التي باتت المكان الحقيقي للخادمةِ، لا المطبخ، وكأنَّ هذه المخلوقةَ معروضةٌ في سوقِ نخاسةٍ اجتماعيةٍ لا علاقة لها بالحاجة الفعلية لمساعدة ربة البيت.
فيا تُرى ما سرّ ارتباط الذهنية الشرقية بمتلازمةِ الشفقةِ والإذلال تجاه من يمتهنّ خدمات التنظيف وكأن (الخضوع) موشومٌ على جبينِ صاحباتها، وهل حقاً أن فكرة اعتمادِ العائلة عليها تعزّز الاتكاليةُ؟ على عكسِ نُظم الدول الأوروبية التي تُثبّت في مناهجها التربويةِ والاجتماعيةِ آلية الاستقلال بالاعتمادِ على النفس.
طبقية وتفاخر
“شعورٌ غير جميل أبداً أن تتكفل امرأة أخرى في كلِ شيء، وفكرة وجودها الدائم يعزز الاتكالية، وما يفعلهُ حديثو النعمة معيب”!
رأيٌ ممتعض بدأت به السيدة البغدادية (هديل الجوراني) في إشارةٍ واضحةٍ إلى الفارق اللاأخلاقي في التعاملِ بين الزمنين، قائلة: دخول الخادمة إلى البيئة العراقية ليس بجديد، إنما هي الأخلاقيات التي انقلبت، العوائل الراقية والأصيلة لا تستثمر حاجة إنسان ومعيب جداً ما يفعله حديثو النعمة من تصرفات مثل اقتيادها في الأسواق والمولات بشكلٍ طبقي لأنها أصلاً منهكة في البيت، وأخذها للتباهي معيب، وإن كان اضطرارياً فيفترض أن يكون برغبتها، عاشت معنا خادمة في البيت لأكثر من عشرِ سنوات مع أن وضعاً صحياً طارئاً هو من اضطرني لاستقدامها إضافة لوسواس النظافة القهري، وانتهى دورها بمجرد أن كبر أولادي، كنت اسميها (مساعدتي) لكي لا اُشعِرها بأيِ فارقٍ، لم أخرجها يوماً من البيت ولم أُشهّر بوجودها وتكفلت برعايتها الصحية ولوازمها الشخصية إذ كان لها الحق في أن تأكل ما تشاء كأنها أحد أفراد البيت، وبالمقابل كانت مخلصة في عملها وأمينة وقد قمنا بتعلميها اللغتين الإنكليزية والعربية إلى درجة وجدنا فيها أن الخدمة في البيت لم تعد تناسب قدرتها، لذلك قام زوجي بمساعدتها بالتوظيف المهني في مكانٍ آخر.
نظرة دونية
“هنالك من يتصور أن امتهان الخدمة المنزلية والتنظيف، أمر يُلزم الآخرين بالشفقةِ على صاحبها المسكين.”
شعورٌ مؤسفٌ غلّف حديث المغتربة (أزهار الدليمي) التي تعمل بخدمات التنظيف في شركة سويدية، قائلة: عملي في شركة تنظيف سويدية جعلني بنظر الناس في مجتمعنا الشرقي (خادمة) استحق الشفقة، ولا يمكنني المجاهرة بمهنتي هرباً من تقليعات الناس ونظرتهم الدونية لي، غير أن الوضع في أوروبا لا مجال فيه للطبقية لأن الثقافة المجتمعية مدعومة من القانون ذاته، ولا تجد حرجاً في عمل الإنسان وصنعته أينما كانت طالما أن الأجر الذي يأخذه عامل النظافة لا يختلف عن أجر الطبيب إلاّ بفارق ساعات العمل، وعملنا يتم عبر إرسالنا على شكل مجموعة تتولى القيام بمهمة تنظيف (الڤيلات) أو المكاتب الحكومية والخاصة ولساعات معدودة مع مراعاة كل شروط الوقاية والسلامة الصحية، علماً أن الثقافة المدرسية في السويد وأوروبا قائمة على تأهيل الطفل بثقافة الاعتماد على نفسه لأنه سيعيش مستقلاً ونشطاً. لا اتكالياً وخاملاً.
فضائح واستهتار
” الفيديوهات والمنشورات هي مكان الخادمة في غالبية البيوت لا المطبخ، لأنها في نظر هؤلاء مظهر من مظاهر الفخفخة الفضائحية المقززة “..
رأيٌ غاضب من أحد متابعي الميديا، لا يُشبه برودة السويد التي يسكنها العراقي (علي نجم).. قائلاً: لقد تحولت لحاجة آلية ثمينة لا بشرية، مع أن المُتعارف عليه في وضع كهذا يفترض حفظ كرامة الإنسان المضطر والمستضعف لأنه أثمن من أي شيء على الإطلاق ولأن الحاجة هي الدافع الحقيقي لهؤلاء وأن عمل الخادمات هو من أجل العيش وإعالة عوائلهن وأنهن بشر لا عبيد ومنظرهن خلف أهل البيت بحد ذاته يعد خرقاً مخزياً لقيم الإنسانية، علماً أن هنالك الكثير من الناس ليس لديهم الوقت الكافي لإتمام أشغال البيت بسبب العمل والسفر، ولا مانع أبداً من الاستعانة بخادمة، لكن لا على حساب كرامتها وفضحها، وفي رأيي للخروج من هذا المأزق، الذي وظف بشكل بشع، يمكن الاستعانة بخادمة لعدد من المرات شهرياً لا بشكلٍ يومي ومُهين لوجودها، والأهم دون إشهار، منعاً لجرحِ كرامتها.
عمالة وبطالة
وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.. المعنية بملف إدخال العمالة الأجنبية، في وقتِ تزدحم فيه طوابير العاطلين في الشوارع، وعلى لسان مدير عام دائرة العمل والتدريب المهني (رائد جبار باهض)، صرحت قائلة:
في بلادنا ما يُقارب الأربعة آلاف عامل أجنبي موزعين في عموم بغداد وباقي المحافظات، أغلبهم يعملون في التدبير المنزلي، وأن الوزارة تعمل على حصر أعدادهم من أجل التأكد من أماكن عملهم والتزامهم بشروط منح الإقامة مع المتابعة الدقيقة من قبل الفرق التفتيشية بالتعاون مع وزارة الداخلية في تفعيل الفحص الطبي للأجانب في جميع منافذ البلاد البرية والبحرية والمطارات للتأكد من سلامتهم من الأمراض، علماً أن الرّخص الرسمية الممنوحة إلى مكاتب التشغيل المرخصة تُلزم أصحابها بشروط السلامة المهنية والأمنية في استقدام العاملات الأجنبيات، مؤكداً أنه تتم محاسبة صاحب المكتب قانونياً في حال وجود أي خرق وتلاعب في هذا الصدد.