في فيلم SOUL قيمة حياة أطفالك بالشغف والقلق يفقدها السعادة

137

أمنة المحمداوي /

مسكين يا جو، حياتك في البيت لا تطاق، ومهنتك -كمدرس موسيقى أسمر يقف داخل الصف- تسبب لك كآبة يومية، لأن حلمك الوحيد الذي لم يتحقق كان الوقوف على منصة المسرح وعزف الجاز برفقة “دورثيا ويليامز”. لذلك لا رغبة لك بالابتسام والاستيقاظ ليوم جديد، وإنما تنطوي بعيداً وهرباً من والدتك العنيدة وإلحاحها في أن العزف حلم سخيف لا يضمن معيشة مريحة او دفع فواتير، وحتى حينما جاءتك الفرصة اكتشفت أن الهوس المريض بهذه المُتعة خرّب التفاصيل الأخرى في حياتك،لذلك جاء الفلم من واقعنا، وتوغّل فيها أكثر الى درجة أنك عندما تراه أنت أو أحد أطفالك تقول: “يا للهول! هل جو يشبهني إلى هذا الحد؟”..
إذن.. فيلمنا الأنيميشن لهذا العدد هو (suol – الروح)، المتوفر بترجمة عربية على منصةِ يوتيوب للمخرج العبقري (بيتي دوكتر) وإنتاج والت ديزني بالتعاون شركة بيكسار التي صنعت دوامة يمر بها الإنسان كل يوم، ومشاعر وتساؤلات فلسفية مُجسدة في فيلم كارتوني يعلمك كيف تجعل طفلك يرسم طموحه ويجتهد في الوصول إليه دون أن يجعله كئيباً أو مهووساً، ليفهم في نهاية الفلم أن السعادة في متناول يده وداخل تفاصيل يومه البسيطة.
يلّا نتابع الفيلم:
يأخذك الفلم مع عائلتك الى بيت “جو”، مدرس الموسيقى الذي يعيش حياة روتينية مملة لا يحبها، ويتمنى ألا يستيقظ مثل الكثير من البشر الذين في داخلهم شغف وطموح لشيء وقبلوا بشيء آخر تجنباً للضغوطات. فهو يرى أنه وُلد من أجل أن يصبح عازفاً مشهوراً، عندما ينتهي من العزف أمام الجمهور يصفقون له، فتزداد نشوته ويرتفع أدرينالين السعادة في جسده، لكن تلك الأحلام الخيالية لا تتحقق.
فجأة تصالح الدُّنيا جو عبر اتصال يأتيه من أحد طلابه القدامى يخبره فيه بفرصة العزف بجانب “دورثيا ويليامز”، أشهر فنانة في نيويورك، فيطير من الفرحة ويهرول في طريق عودته إلى المنزل ويقول: “سأموت كرجل سعيد إذا كان بإمكاني أن أعزف مع دورثيا وليامز”.. وفي أثناء سيره، لم ينتبه الى أن هناك ما قد يمنعه من الوصول إلى حلمه، فيسقط في بالوعة، لينتقل مباشرة الى عالم الأرواح! وهنا تبدأ رحلة العودة المستحيلة الى الحياة، فيتعرف على أرواح كثيرة في عالم الموت الذي يشترط على كل روح هناك إذا وجدت الشرارة”Spark” ، أي الهدف الحقيقي من الحياة، فستأخذ شكلاً معيناً وربما تعود الى الأرض، فيجد جو لنفسه في هذه النقطة مخرجاً عبر مساعدته لإحدى الأرواح لتجد شرارتها وتكتمل شارتها وتنزل الى الأرض، وتلك الروح كانت “22” العنيدة، المرحة، التي أيضاً لم ينجح أحد بإقناعها بالشرارة مثل: الأم تيريزا والعالم نيكولاس، لكن جو يدخل في تحدٍ على النجاح، وفعلاً جعلها تجرب كل الأشياء المثيرة، حتى نجحا معاً في النزول إلى الأرض.
لكن المفاجأة كانت حينما يحدث ما لم يكن في الحسبان، إذ سكنت روح “22” في جسد جو وأخذته لنفسها، وأصبح هو في جسد قط! وبذلك عاد لضياع حلمه من جديد فتستمر المغامرة.. الخ.
المشاهد اللافتة للنظر:
حينما نزلت صديقته “الروح العنيدة22 ” الى الأرض في جسد جو، لاحظنا أنها كانت مرحة مع الناس، غير كئيبة مثل جو، بل تركت نفسها حرة تفعل كُل ما تريد، ولا تهتم بنظرة الآخرين وأصدقائه، السلبيين بالتحديد، لذلك نجحت في الحصول على إعجاب الناس وحبهم في مواضيع كثيرة فأحبوها، لأن شخصيتها كانت عكس شخصية جو المنطوية، وحديثه طوال اليوم عن الموسيقى وشغفه بها، ولم يعط أحداً فرصة للتعبير عن نفسه لذلك عاش متململاً تعيساً.
المشهد اللافت الآخر حينما يتذكر جو كيف قصّت عليه حكاية السمكة التي كانت تسبح برفقة سمكة كبيرة، وقالت لها: أحاول العثور على ذلك الشيء الذي يدعى المحيط، ردت السمكة الكبيرة: المحيط؟ إنه ما أنتِ فيه الآن، فردت السمكة الصغيرة: هذا ماء أنا أريد المحيط!
هنا أدرك جو الخطأ والرسالة التي أرادت إيصالها، وتذكر أن كل ما عاشه مع الروح “22” وحبها للحياة وسخريته منها، واتهامها بالأنانية، كان تصرفاً غير صحيح، لذلك قرر اللحاق بها والاعتذار لها وإخبارها بأنه أصبح يقدّر قيمة كُل شيء، وهنا قامت الأرواح الملائكية بمنحه فرصة أخرى للعودة إلى جسده وحياته، لكنه عاد الى عالمنا وهو شخص مختلف تماماً.
بماذا أنصح عائلتي؟
يجب على الأبوين في البيت تنمية ثقافة الطموح لدى الأطفال (الشغف)، لكي تكون لديهم الأسباب للاستيقاظ سعداء كل يوم ولهُم أهداف يعملون عليها، وإلاّ صاروا مثل جو لا يملكون غير حياة روتينية تخنقهم من كل اتجاه. كذلك ننصح الأبوين -من خلال الفلم- بإفهام أطفالهم أن الحياة حلوة وأن سعادتها في التفاصيل البسيطة، مثلاً:
نجاحهم في الدراسة، في ضحكة من القلب، جلستهم مع أصدقائهم، حضن أمهاتهم، شعورهم بالفرح عندما يجدون أن والدهم عاد من العمل وهو يحمل لهم في يديه ما يحبون.
وبطريقة مبسطة أيضاً يمكن شرح معنى الحياة لهم، وما الهدف من وجودنا في هذا العالم، وماذا يحدث لروح الإنسان الطيبة بعد أن نموت ونذهب الى عالم الأرواح.