لماذا نكرّر الأخطاء نفسها في اختيار شريك الحياة؟

646

دلال جويد /

كم مرة سمعنا من معارفنا أو أصدقائنا بعد انتهاء علاقاتهم العاطفية أقوالا تؤكد أنَّهم لن يعيدوا الكرة مع شركاء مشابهين لمن سبقوهم، فنسمع عبارات مثل (لن ارتبط برجل يحمل صفات زوجي/ حبيبي السابق). (لن أفكّر بامرأة مثلها مرة أخرى)؟
ومع ذلك نجدهم يكرّرون الأخطاء نفسها ويختارون أشخاصا مشابهين لمن سبقوهم، الأمر الذي يجعلهم يعيشون المشاكل نفسها مرة أخرى، فكم من صديق أو صديقة سمعنا منهم الشكوى ذاتها مع أشخاص مختلفين معلّلين هذه المعاناة بسوء الحظ أو معاندة الأقدار لهم!
الأمر اللافت أنَّهم حتى لو قالوا إنَّهم سيختارون بطريقة مغايرة هذه المرة فسيكرّرون الخطأ نفسه، وهذا ما تشير إليه الأبحاث الجديدة التي أجراها علماء النفس الاجتماعي في جامعة تورنتو إذ تؤكد إنَّ القول قد يكون أسهل من فعله، فقد تبين أن الناس غالباً ما يبحثون عن الحب مع النوع نفسه من الأشخاص مراراً وتكراراً.
وقد أجرى أحد الباحثين في الجامعة وهو يوبين بارك مع أستاذ علم النفس جيف ماكدونالد دراسة تضمّنت شخصيات الشركاء الحاليين والسابقين لـ 332 شخصاً، وامتدت تلك الدراسة لعدة سنوات. وكانت نتيجتها الأساس هي وجود تناسق وتشابه كبير في شخصيات شركاء الفرد الرومانسيين ما يعني أن بعض الأشخاص يميلون إلى اختيار شخصيات مشابهة لمن عرفوهم سابقا، وهذا يطرح تساؤلا عن السبب وراء هذا التصرف، وكيف يكرّر الإنسان أخطاءه نفسها؟
تبرّر الدراسات النفسية هذا السلوك بعدم القدرة على الاختيار والتغيير إذ تقول الدكتورة والمعالجة النفسية الامريكية تينا تنسينا في كتابها (دليل دكتور رومانس للعثور على الحب اليوم): “إنَّ هذا السلوك يتماشى تماماً مع غريزة الإنسان لدينا للبحث عن الأنماط والعمل وفقاً لها. فعندما يعمل المرء ضمن أنماط قديمة ومألوفة، لا يحتاج إلى التفكير في ما يفعله. وعادة يكون الجسد مرناً للقيام بأشياء مألوفة دون الحاجة إلى التفكير فيها. وهذا يترك عقله حرّاً في العمل والتخلص من التوتر”، بمعنى أنّ الإنسان يختار ما يعرف سابقا لأنَّ عقله قد تدرّب على التعامل معه وتعوّد عليه، لذا يعود إلى الخيارات المشابهة لأنَّها تجعل عقله أكثر استرخاء حتى لو كان استرخاء حزيناً لا سعادة فيه.
لذا تقدّم نصائح كثيرة للخارجين من علاقات غير ناجحة، منها التريث وعدم التسرع في اختيار شريك جديد، وعدم السعي إلى تعويض الفراغ العاطفي من دون تفكير هذه المرة، فالتجارب ينبغي أن تكون مفيدة وقادرة على أن تجعل الإنسان أكثر وعيا ومعرفة، وبالتالي أكثر حرصاً وقدرةً على فعل الأمور بشكل صحيح.
في الحقيقة غالباً ما تكون الأقوال أسهل كثيراً من الأفعال ولكن من أجل تغيير الاختيار لا بدّ أن يكون التغيير من الداخل، فالخبراء النفسيون ينصحون بعدم التأثر بالاطراء والثناء والوعود على الأقل في بداية العلاقة، وينبغي التركيز على ما يفعل الشريك لا ما يقوله، إذ يمكن لأي شخص أن يقول: (حبيبي، أنا أحبك، أنت عالمي كله)، لكن هذا لا يضمن أنه سيعاملك بالاهتمام والاحترام المطلوبين، فضلا عن أن كل شخص لديه نمط حياة يتمثّل في تصرفاته وتعامله مع الأمور المختلفة، وهو الأمر الذي ينبغي أن يعرفه الإنسان في شريكه، فكل سلوك لا يتناسب مع الكلام والوعود يجعل إنجاح العلاقة غير مضمون.
ومن الجدير بالذكر أن السعادة التي يحصل عليها المرء في البدايات، وأعني بداية أي علاقة تكون كبيرة ومميزة لأنَّها مرتبطة بالدهشة والاكتشاف، ولكن نظرة فاحصة لتلك البداية قد تجعلنا نرى أنَّها لا تختلف عن كونها إعادة لشكل العلاقة السابقة مع شخص مشابه لمن تم الانفصال عنه. وهذا ما يجعل الحذر في البداية ضرورة كي ندرك مدى صحة الاختيار وإمكانية ديمومته. وبرأيي أنَّ كل خطوة صحيحة تبدأ من فهم النفس ثم تنتقل إلى كل فعالية أخرى في حياتنا.