ما الذي يجعل صيفنا حارّاً جدَّاً؟

190

ترجمة: آلاء فائق/

يمر العالم بأسره ومنه الدول العربية، بموجة حر شديدة، يتوقع أن تنكسر خلالها بعض الأرقام القياسية، ويتوقع علماء المناخ أنَّه لا يمكن توقع أن يكون القادم أفضل، فمع تصاعد متوسطات درجات الحرارة عالميا لتتخطى حاجز 1.5 درجة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، سندخل لعالم جديد تماما، عالم يُمثِّل نقطة تحوّل بالنسبة لمناخنا وبيئتنا على الأرض.

في شهري تموز وآب اقتربت درجات الحرارة في أجزاء من الجنوب الغربي الأمريكي من 120 درجة فهرنهايت، مما قد يخرق سجلات الحرارة الحالية ويعرّض حياة البشر للخطر.
اعتاد الناس على صيف دافئ في أغلب دول العالم، لكن صيفنا هذا كان من بين أكثرها سخونة على الإطلاق. ففي أوائل تموز، حدّدت الأرصاد الجوية على مدى عدة أيام سجلات درجات الحرارة العالمية. كان شهر حزيران أدفأ على كوكب الأرض منذ أن بدأ حفظ الأرقام القياسية في العام 1850، وفقا لمجموعة بيركلي إيرث المعنية بالتغيّر المناخي، فليس الهواء وحده حارّاً وكأنّه وقود أرغفة الخبز، فالمحيطات أيضاً شديدة الحرارة.
لماذا كل هذه الحرارة الآن؟
تؤدي دورات الطقس العالمية المتقاربة مع الاتجاهات الطويلة الأجل لارتفاع درجات الحرارة، أسوأ جزء بهذا الصيف أنّه رغم حرّه الشديد قد يكون إحدى السنوات الأكثر برودة مقارنة ببقية سنواتنا القادمة مع استمرار ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض.
استقرار “القباب الحرارية” على أجزاء من العالم
موجات الحرارة المتكررة (فترات طويلة من درجات الحرارة القصوى)، ناتجة عن تعاظم الضغط العالي في الغلاف الجوي، مما يولّد ضغطاً يؤدي لتسخين الهواء الموجود تحته. عندما ينزل الهواء، يدفع بدوره تيارات الهواء الأكثر برودة والسريعة الحركة للخارج، ويدفع السحب بعيداً، مما يمنح الشمس خطّ رؤية خالٍ من العوائق إلى الأرض.
الأرض- التربة والرمل والخرسانة والأسفلت – كلّها تخبز بضوء الشمس، وفي نهارات الصيف الطويلة القائظة ولياليه القصيرة، تتراكم الطاقة الحرارية بسرعة وترتفع درجات الحرارة، بالإضافة لذلك، يمكن للموجات الموجودة بالتيارات الهوائية الجوية المعروفة باسم التيارات النفاثة jet stream أن تثبت هذا الغطاء العالي الضغط بمكانه لفترات طويلة.
يُطلق على هذا النمط أحياناً اسم “القبة الحرارية” لأنّ الحرارة تكون محصورة تحت قبة من الضغط، أجزاء من الولايات المتحدة، بما في ذلك فلوريدا، كاليفورنيا وأريزونا تخبز الآن تحت هكذا قباب حرارية.
العام 2024، علامة فارقة
العام 2024 قد يكون هو العام الذي سيتجاوز فيه الاحتباس الحراري للمرة الأولى مقدار 1.5 درجة مئوية، ربما لا يبدو هذا الرقم كبيرا بالنسبة لنا، وأن ما يحدث لا نراه مهما، لكن العلماء يحذّرون من أن هذه اللحظة ستكون نقطة تحول تاريخية وعلامة فارقة بتاريخ كوكبنا، لا شك أن تجاوز الارتفاع بدرجة حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية دليل على فشل الجهود السياسية بالتصدي لمشكلة الاحترار العالمي. وهذا لأنَّه قبل ثماني سنوات فقط، وافقت معظم الدول تقريبا على اتفاق قانوني ملزم لإبقاء ارتفاع درجة الحرارة العالمية بحد أقصى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.
عام طويل لظاهرة النينيو
في وقت سابق من هذا الصيف، أعلن مركز التنبؤ بالمناخ بالولايات المتحدة أنَّه اكتشف ظروف ظاهرة النينيو، وهي نمط مناخي بعيد المدى ناجم عن انتشار المياه الدافئة على طول خط الاستواء بالمحيط الهادئ.
يمكن أن تتسبّب ظاهرة النينيو بارتفاع درجة حرارة إضافية، إذ تنتقل الحرارة الوفيرة بالمحيط الهادئ للغلاف الجوي؛ في الواقع، ربما يكون قد أسهم هذا بالفعل في موجات الحر التي حصلت بداية الموسم بقارة آسيا.
التغيّر المناخي وزيادة حدة موجات الحرارة
ربما يكون أبسط تفسير لكل هذه الحرارة هو التغير المناخي، يوضح عالم المناخ بجامعة تكساس د.جون نيلسن لموقع Vox: “تعدّ درجات الحرارة القصوى من أكثر النتائج وضوحاً على ارتفاع درجات الحرارة العالمية”.
فلقد أدت سياراتنا، مصانعنا، محطات الطاقة الخاصّة بنا لتدفئة العالم بنحو 1.2 درجة مئوية، أي (ما يقرب من درجتين فهرنهايتية) منذ فجر الثورة الصناعية. نحن باتجاه تجاوز 1.5 درجة مئوية بغضون سنوات دون أي انخفاض كبير بانبعاثات الوقود الأحفوري وانتشار التقنيات لسحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء، هذا ما أكده كبار علماء المناخ بالعالم، في حين تبدو هذه الزيادة متواضعة، إلا أنَّها قد تسهم في احتمالية خفض حدوث حالات الطقس المتطرفة.
كلنا يعرف أنّ الصيف حارّ دائما، لكن هذا الصيف مختلف ببعض النواحي، إذ تضرب درجات حرارة قياسية العديد من مدن العالم. سجّلت فينيكس (عاصمة ولاية أريزونا الأمريكية وأكبر مدنها سكانا) 19 يوماً متتالياً غير مسبوق فوق 110 درجات، أما درجات الحرارة في وادي الموت Death Valley فقد وصلت إلى 128 درجة في أحد الأيام، هذا الصيف ليس صيفاً نموذجياً.
درجات الحرارة القصوى التي تم تسجيلها هذا الصيف هي نتيجة لمزيج من التغيّرات الطبيعية داخل النظام المناخي والتغير المناخي الذي يسبّبه الإنسان، مع حدوث ظاهرة النينيو عدة مرات وبشكل كبير.
هل للتغير المناخي تأثير على تأجيج الحرارة، أم إنّه مجرد صيف حار؟
يقول دانيال سوين، عالم المناخ بجامعة كاليفورنيا: إنَّ التباين الطبيعي لا يزال موجودا، “لكننا بدأنا نرى إشارة الاحترار الطويلة المدى التي يسبّبها الإنسان تتغلب على هذا التقلب. بهذه المرحلة، لا توجد أي أحداث حرارية شديدة غير مسبوقة على الأرض لم تتفاقم بسبب التغير المناخي”.
يشير علماء المناخ الى أن الاحترار العالمي الذي يسبّبه الإنسان تسبّب بحدوث موجات جفاف شديدة كتلك التي حدثت هذا الصيف في أوروبا وأمريكا الشمالية والصين، على الأقل 20 مرة أعلى مما كان يمكن أن يحدث قبل أكثر من قرن، إنّه أحدث دليل يبيّن كيف أن تغيّر المناخ الناجم عن حرق الوقود الأحفوري يعرّض الغذاء والمياه والكهرباء للخطر بجميع أنحاء العالم.

عن موقع/ فوكس، USA Today
بنجي جونز وإليزابيث وايز