ميغيل.. عازف الجيتار الهارب من عائلته!

215

آمنة عبد النبي/
يعشق الصبي ميغيل الموسيقى بجنون بريء، وتخطف روحه عذوبة أوتار الألحان الطفولية التي كلما لامسها تخيّل نفسه عازفاً ماهراً لجيتار ذهبي تحيط به الأرواح الطيبة وتصفق له العصافير. المؤلم هو أن عائلته تحرّم العزف وتعتبر الجيتار لعنة، فيدفعه ذلك الى زيارة سرية لمقبرة موسيقاره المفضل (إرنستو دي لا كروز) في عيد يوم الموتى الذي يقام سنوياً في المكسيك لينتهي به الحال في أرض الموتى بمغامرة خطرة مع هياكل أهله الراحلين للتعرف على سرّ رفض عائلته.
إذن، فيلمنا الأنيميشن لهذا العدد هو (كوكو coco)، من إخراج لي أنكريش وإنتاج شركة ديزني، يقصّ حكاية أهل غير متفهمين لطموح طفل مغامر يحلم بأن يصبح عازف كيتار أسوة بمثله الأعلى الموسيقار (إيرنيستو دي) أشهر مؤلف موسيقي في المكسيك، لذا يعاملونه بقسوة، فيضطر للركض خلف طموحه بمخاطر دون علمهم ليقع في سلسلة طويلة من الأحداث الخيالية الغامضة.
هيا نتابع الفلم:
تبدأ الأحداث عن حياة الصبي ميغيل المغرم حدّ الشغف بالموسيقى، ويطمح بأن يكون عازف گيتار مثل جده، لكنه يعيش في أسرة تمتهن إصلاح الأحذية، وغير مسموح لأي فرد الخروج عن هذه المهنة، لذلك يمنعونه من التفكير بها لأن جد ميجيل هجر الأسرة لتحقيق أحلامه الموسيقية تاركاً زوجته إيميلدا وابنته كوكو. وبعد تكرار رفض أهله يقرر ميغيل، أثناء احتفالية يوم الموتى السنوية، أن يسرق جيتار (إرنستو) من مقبرته، الذي يعتقد أنه جده وأشهر مغنٍ من أجل الإشتراك في مسابقة الموسيقى، فينتهي به الحال في أرض الموت برحلة غريبة وعجيبة، إذ يقابل هناك أجداده الذين طالما سمع عنهم من حكايات جدته، فيلتقي (إكتور) و(إيميلدا) التي تشترط عليه عدم العودة الى عالم الأموات مجدداً، لكن ميغيل يُخل بالشرط ويعود ثانية ليبحث ويكتشف أن إكتور هو جده الحقيقي وكان وراء شهرة المغني إرنستو، بل إنه هو من قتله بالسُم بدافع التخلص من المنافسة. في نهاية المطاف والمغامرة يكتشف ميجيل السر ويظهر وهو يعزف على الجيتار تعبيراً عن تقديره لأسرته من الأحياء والأموات.
لقطات لافتة للنظر
شاهدنا الفتى الذي يواجه عقبات عدّة سيكون من أكبرها “كسر التقاليد” العائليّة، له لقطة وهو جالس منعزل في غرفته السرية التي يلجأ إليها هرباً من عيون عائلته، ولاسيما أمه القاسية لكي يتعلّم عزف الجيتار ويُغني الأغاني التي يُحبها خلسة دون علمها، وعندما تكتشف والدته ذلك صدفة تصرخ بوجهه وتُحطّم جيتاره الذي شكّل له كلّ طموحاته الشخصية، لك هنا عزيزي القارئ تخيل كم الإحباط النفسي والخيبة التي عاشها صبي بعمر ميغيل من أقرب الناس إليه وهو يواجه تهديم الشخصية من داخل البيت، فكيف يمكن لأي إنسان أن يتقدم في طموحاته خارج البيت، نقطة انطلاقه الأولى، وهو يواجه مثل هذه المعاملة المدمرة داخل البيت، أليس من المفترض أن تدعم العائلة أبناءها؟!
بماذا أنصح عائلتي؟
في كل بيت هناك أولاد وبنات بطموحات وأفكار تناسب ما يحبونه، ولا تناسب ربما ما يحبه الأهل، مثلما حدث مع أهل ميغيل، الذي يعتبر تجسيداً مُصغّراً لفتى يمثل أوضاع أبناء جيله وأفكارهم التي تختلف عن أفكار الأهل، إذ لم يستطيع التنازل عن حلمه والتخلي عن الموسيقى، ولم يستطيع التكيّف مع قوانين المجتمع وإرضاء أهله. لذلك عاش ميغيل صراعاً نفسياً مدمراً وجازف بحياته دون علم أحد، وهي مهمة انتحاريّة وكبيرة على طفل في عمر الثانية عشرة، وقد تقوده الى الضياع.
كذلك يتحدث الفلم عن عائلة (قاسية) في التعامل ليظهر لنا أهميّة حنان العائلة في حياة الفرد وضرورة مسامحة الآخر واحترام طموحاته وإدراك أن الإحساس بالآخرين -أمواتاً أو أحياءً- أمر مهم، فلا يجب نسيانهم، لأن الإنسان يموت مرتين، الأولى عندما يغادر أرض الأحياء، والثانية عندما ينساه أقاربه وأصدقاؤه. كان ذلك واضحاً في الأرواح الميتة الحزينة التي يعانق بعضها بعضاً وتقول لـ ميغل إن “الموت الأكبر ليس موت الجسد، وإنما أنت تختفي من هذا العالم بمجرد أن ينساك الذين عشت معهم ولأجلهم..”