نداء الطفل المتوحد : أمشي في ممر مظلم ولي الله

954

هناء حسين أحمد /

يقولون إن الأم تناغي ولدها قائلة “قررت أن أربيك، وأنت في بطني، لتكون أعظم شخصية ولو قلت يا أمي لماذا بدأت باكراً ستكتشف أن الإنسان لو كبر لن تنفع معه إلا معجزة”.
اليوم نسمع صرخة أم خاطبته وهو في رحمها بخطاب العاشقة لجنينها الذي انتظرت ولادته بفارغ الصبر وهي تراه اليوم مصاباً بمرض التوحد بعد أن كانت أمنيتها أن يكون أعظم شخصية في الدنيا وهي تراه مأزوماً بهذا الداء ويسلك تصرفاً غير الذي تمنته له، فأية حرقة في ضلوعها يستطيع المجتمع ان يبردها لتلك المبتلية بعشق ولدها وكأنها هي المصابة بذلك المرض، وهي ترسم قول الشاعر”أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض…لومرت الريح على بعضهم…لامتنعت عيني من الغمض”. صرختك هي صرختنا جميعاً أيتها المنكوبة بأعز ما تملكين، وها نحن نبث ما يخالجك من هم للقادرين على علاج من هو أهم.
قد نسمع –نحن الأسوياء- عن شخص أحادي أو ذاتوي, ونستغرب أول وهلة لهذه التسمية التي ما هي الا نماذج مصطلحات علمية –اجتماعية يطلقها الأطباء على (حالات) بعينها تعد صفات لمرض التوحدAutism المظلم الذي صنعه القدر لأولادنا دون سابق إنذار.
إن كثيراً من الأسر في مجتمعنا يجهلون مظاهر هذا المرض ويعدونه تخلفاً عقلياً أو مجرد حالة عزلة, لأن الإعلام لم يعطِ هذا المرض حقه في التوعية والتثقيف بين الناس, وكيفية الاستعداد لمواجهة هذه الإعاقة, وطرق التعامل معها داخل الأسرة او وسط المجتمع العام, وترك الجميع وسط دوامة من الحيرة في مواجهة النماذج التي ابتليت بهذا المرض.
إن أهم ما ينبغي إيضاحه هنا هو ذلك التفاوت في أعراض من يعانون من اضطراب التوحد في التصرفات والتفاعل مع الحالة النفسية ومع الآخر, ونسب الاستجابة لحالة الفرح والحزن والرضا ..الخ, وبالتالي النجاح في العلاج.
حينها نستطيع اتباع طرق علاج تتناسب مع احتياجات كل طفل, وكل حالة، ولأن لهذه الإعاقة درجات تختلف من طفل الى آخر منها الشديد والمتوسط والخفيف في درجات طيف التوحد, ومن هنا جاءت تسمية أو مصطلح : طيف التوحد.
انعزال وتفرد
إن التوحد لا يعني الانعزال فقط ولكنه يعني ايضاً: التفرد, اي أن الطفل ينفرد بسلوكيات تختلف عن سلوكيات أقرانه, يعيشها في عالمه الخاص الذي يصعب على المجتمع العام تفهمه، الا بعد تثقيف بالحالات التي يعيشها طفل التوحد, وضرورة التأكيد على إنسانية التعامل مع حالات من هذا النوع اجتماعياً, وبشكل يليق بإنسانية الإنسان الذي ينبغي عليه التعامل بإيجابية مع حالة المتوحد.
التوحد هو إعاقة ناتجة عن اضطراب في الجهاز العصبي للطفل بحيث يؤثر على وظائف المخ, فهو أحياناً يتصرف كإنسان سوي في طبيعته البشرية العادية, وأحياناً يتصرف ضمن سلوك غريب متوتر لا يستطيع السيطرة عليه من قبله أومن قبل الأهل.
تفاعل اجتماعي
عادة ما يواجه المصابون صعوبات في التواصل اللفظي وغير اللفظي وفي التفاعل الاجتماعي وصعوبات في النطق, إذ تتجلى صعوبات تكوين الجمل او حتى إتمامها, وممارسة الأنشطة الاجتماعية العامة مع الآخرالمتقارب في العمر.
عادة ما تظهر هذه الحالة في السنوات الأولى من عمر الطفل دون أن يلاحظ الأهل ذلك… وحينما ينتبهون لسلوك الطفل غير الطبيعي وتكراره لنفس الحركات وعدم الإصغاء والبطء في تطور النطق مثل أقرانه في نفس المرحلة العمرية, وأيضاً قلة نسبة التركيز في العين وقلة النوم وتقليد كلام الآخر دوت استيعاب, والإصرار على روتين حركي وسلوكي متكرر دون سواه, والردود العنيفة لأية محاولة لإجباره على التغيير, كذلك نلاحظ طقطقة الأصابع ورفرفة العين وصعوبة الاستجابة للبيئة المحيطة, وقد توجد حالات أصعب مثل ضعف الذاكرة وإيذاء الذات مثل عض اليد وحك الجلد وضرب الرأس والخوف من بعض الأماكن, كذلك فشل في استيعاب استخدام الضمائر مثل( أنا –هو –أنت) وحتى الاستجابة بـ نعم عند المناداة.
علاج تربوي
إن علاج إعاقة اضطراب التوحد يأتي على مراحل مهمة عدة يكمل أحدها الآخر, ويأتي العلاج التربوي في المرتبة الأولى ومن ثم العلاج السلوكي, ويترادف معه العلاج اللغوي النطقي اضافة الى العلاج الطبي الدوائي.
يبقى الأهم من كل طرق العلاج ولغرض إنجاحه والوصول بالمتوحد الى حالة الرضا النفسي والاجتماعي, هو تقبل الأهل والمجتمع للحالة والاعتراف بالمشكلة ومواجهتها دون استسلام, أو هروب أو تجاهل, أو رمي المشكلة على عاتق الأم أو الأب, أن يتكاتف الكل في تحمل مسؤوليات الرعاية المطلوبة للطفل المتوحد.
إن وجود مراكز تربوية خاصة فيها عناصر تعليمية تتجاوب مع حالات التوحد هو واحد من اهم عوامل النجاح العلاجي التربوي, فذلك يضمن التعاون بين البيت والمدرسة.
كلما كان العلاج مبكراً كان ذلك أفضل في الاستجابة والتواصل لضمان العلاج الشافي، بإذن الله, ذلك أن كل طفل يستطيع التقدم والتحسن رغم صعوبة البداية حتى وإن كان التحسن بطيئاً بداية.
سلوكيات سلبية
لكل طفل مهاراته وميزاته وإيجابياته مثلما له سلوكيات سلبية, فإذا استطعنا اكتشافها بسرعة فنحن إذن نستطيع الدخول الى عالمه وفك مغاليقه بطريقة تتلاءم مع شخصيته وحالته, ولابد من القول إن ليست كل حالات التوحد متشابهة فهناك فروق في الدرجة والسلوك لكنها جميعا توصف بكلمة (التوحد).
اننا هنا بنبغي أن نشير وأن ننبه الى حجم الكارثة الاجتماعية المتزايدة المتمثلة في ازدياد أعداد أطفال التوحد, دون اهتمام جاد الا من الأهل وبعض المراكز التربوية المتخصصة, ولابد للدولة والمجتمع انصاف هذه الشريحة من الأطفال مهدوري الحقوق في الأخذ بأيديهم للعيش في حياة طبيعية آمنة, بعيداً عن قسوة البعض من الجهلة داخل المجتمع العام الذي يتعاملون بسادية أو عدوانية أو سوء تفهم مع الحالة المرضية لطفل التوحد.
من الضروري هنا مناشدة المجتمع العام أن ينظر الى طفل التوحد كما ينظر كل أب أو أم الى طفلها وذلك بعين الرحمة والعطف والرعاية, فذلك أمر يساعد الأهل وطفل التوحد على نجاح علاجه.