هَوَس الماركة عقدةٌ نسوية أم تهمةٌ رجالية؟
آمنة عبد النبي /
يُقال إن لهاث الذائقة المغتربة لشراء كل شيء ممهور بماركة عالمية صار نوعاً من أنواع الهوَس النفسي الذي تمدد في أوروبا مؤخراً بين الجاليات العراقية، وكأنّ قيمة الإنسان تُحدد بـ (الماركة) التي لم تكتفِ بسلبِ ما تبقى في الجيوب، على حدِ تعبير بعضهم، بل أوجدت ثقافة تمايز غريبة تعود جذورها إلى مقاييس اجتماعية سطحية تعتمد المظهر الخارجي دلالة على فخامة الشخصية وقوتها!
ثقافة وذائقة
“أثناء تجوالي في شوارع زيورخ ولندن وبرلين، اكتشفت أن الفرد الأوروبي لا يملك أصلاً ذائقة تلهث خلف الماركة في ملبسه أو عطوره، بل إنه حتى سلّة تسوقه الغذائية لايقتنيها إلا من سوبر ماركت (الكوب) باعتباره المنشأ الأصلي لجميع المواد الغذائية المعروضة بأسعار مضاعفة.”
بهذا المزاج الهادئ بدأت السيدة (هديل الجوراني) حديثها العميق عن الماركة كثقافة وحياة قائلة: الماركة ثقافة جميلة وأسلوب حياة راقٍ، كنت وما زلت أتمنى لها رواجاً في بلادنا المكتظة بالفوضى. منذ سنة وأنا في بغداد التي غالبية أجوائها المناخية والاجتماعية لا تشجع على أي تثقيف ذوقي بهذا الاتجاه، لأن التوجه الفكري الموجود يعتمد القشرة لا الفكرة، أي أن إحداهن تحمل حقيبة (غوتشي) وتتباهى بها لماركتها لا لأناقتها، علماً أنني لو تجولت في الإمارات وأنا أرتدي أغلى الماركات الفاخرة فلا أحد يأبه أو ينتبه لما أتميز به، لأن المجتمعات الخليجية متخمة بثقافة (الأورجنال) التي تتدخل بأبسط التفاصيل الحياتية، بل إن الفرد الإماراتي صار متجاوزاً لمرحلة الاغترار بـ (الليبل)، فراح يبحث عن جوانب غير متاحة لسواه. ولو جئنا إلى ثقافة الماركة لدى الفرد العراقي المقيم في أوروبا فأعتقد أن وفرة تلك الماركات في متناول الجميع وبجودات مختلفة وأسعار مشروطة بالمنشأ، وهذا هو الذي أتاح له الاندماج السريع في تلك الثقافة الرائجة بما يناسب دخله على الأقل، لأن تدرّج الأسعار خاضع لنوعية الماركات، فمثلاً تتربع الماركات العالمية مثل(غوتشي) أو(مايكل) في القمة، وتلك زبائنها قطعاً من طبقة اجتماعية مترفة جداً، أما الماركة المتوسطة (الأورجنال) فمع احتفاظها بالجودة والسعر الأنسب فإن لها زبائنها الذين يجيدون استثمار عروضها، مثلاً حقيبة (مايكل كورس) التي يبدأ موسمها بسبعمئة دولار وينتهي في نهاية الموسم بخمسمئة دولار أو أقل. هنا قطعاً ستكون تلك الأسعار ملائمة لدخل الكثيرات، لذلك أعتقد أن ذكاء تسويق الذائقة في محال أوروبا يتجلى في زيادة منافذ البيع والمضاربات في الأسعار والعروض الأسبوعية، إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي ومسجات الهاتف، كل تلك الخيارات المطروحة بهذا الإغراء الهائل هي من تصنع لدى الزبون ثقافة انتقائية وذوقية رائعة.
سعادة مستهلكة
“الفخفخة المرضية تتحكم بميولي تجاه ما تعنيه الشخصية الجذابة، لأنني بصراحة من المعتقدين بمرض الماركة لا بثقافتها، ولدي استعداد أن اقترض مقابل شراء قنينة عطر لا أملك كامل سعرها.”
بهذا الوضوح المثير، بدأت العراقية المغتربة في السويد (دينا سلام) حديثها عن عقدة الماركة، قائلة: وصل هوسي باقتناء الماركات، سواء الخاصة بالعطور أو الملابس أو الأحذية والحقائب، إلى درجة أنني لم تعد لدي أية قطعة في الخزانة خارج هذا الإطار، علماً بأنني لست من ذوي الدخول العالية لابتاع كل تلك الماركات، وإنما أنا أتبع طريقة معينة أعتقد أن الكثيرين في السويد يتبعونها، وهي شراء المستهلك عن طريق الإنترنيت، لأن المعروف عن الفرد السويدي أنه يستخدم الحاجة لموسم أو أقل أحياناً وبعدها يعرضها للبيع كحاجة مستعملة ربما بنصف السعر أو ثلثه. وبما أن المعروف عن الأوروبي عنايته ومحافظته على جودة الحاجة ونظافتها، لذلك سيكون شراؤها ملائماً جداً لي. وفيما يخص جزئية اعتبار الموضوع نوعاً من أنواع الهوس النفسي أو التعلق المرضي أو القول إن الماركة أوجدت فروقاً ظاهرية بين الناس، أنا شخصياً لا أنفي هذا الأمر، لكن ما المانع إذا منحني هذا الهوس شعوراً بالسعادة والارتياح النفسي؟
صحة وراحة
“عشقي للأناقة في جانبها الصحي يفوق الفخفخة، إذ أن شراء حذاء ماركة أنيق ومريح ويضيف على بقية تفاصيلي بريقاً فخماً، يعد بنظري أفضل من شراء ثلاث حاجات تقليد بذات السعر.”
اعتراض بدني لطيف، بدأته الصحفية (مريم سمير) بابتسامة قائلة: دائماً كنت وسأظل أشير إلى الخطأ الذي ترتكبه غالبية السيدات والآنسات في العراق حينما يبتعن مثلاً حقيبة أوبلوزة لا تتجاوز صلاحيتهما حدود الموسم، بدلاً من شراء قطعة ماركة واحدة يطول بها الزمن والجودة سنوات طوال، طبعاً لن أناقش هنا جمالية الماركة أو جودتها وإنما دعينا نأخذ الجانب الصحي في أقل تقدير، فهل من المعقول المقارنة بين ماركة (نايك) أو (أديداس) مع المعروض من أحذية محلية جيدة، سواء من ناحية طريقة المشي المريح والراحة المفصلية لعظام الجسم وكذلك المحافظة على سلامة جلد القدمين من الحساسية والروائح التي تسببها الأحذية المقلّدة، كذلك الحال بالنسبة للملابس الصوفية الأصلية والحقائب والأحزمة التي جميعها تحمل مواصفات صحية وخامات مريحة للجلد، وصلاحية أقل قطعة تمتد لسنوات إذا حوفظ عليها.
مضاربات فارغة
“هوس الماركة خاص بالمرأة حصراً، كيف لا وهي التي ترى أن الشخصية الفولاذية مرتبطة بمظهرها الخارجي.”
من فنلندا، البلاد الصديقة لجزر البطاريق القطبية، قاطع (رضوان كاظم) حديث السيدات أعلاه معترضاً ومتهماً النساء باحتكار الهوس قائلاً: النساء هن الأكثر اعتناءً وإعجاباً بأنفسهن، ولكي أكون منصفاً فلا علاقة للأمر بعقدة النقص وشعوره، إنما هو هوس نسائي تحكمه المضاربات الفارغة بين غالبية تجمعات الجاليات في أوروبا، وليس هن فحسب، بل إن الفرد الشرقي سواء أكان في بلاده أو خارجها بطبيعته يحب القيافة في كل وقت، لأن اللبس الفخم في نظره ليس من مكملات قوة الشخصية فحسب، بل إنه مكمل للشخصية ذاتها، وقد تصادف من يدفع كل ما في جيبه لقاء شراء قلم باركر، وفي نهاية الشهر يضطر لبيعه، لكن القضية برمتها عامة وموجودة حتى عند الفرد الأوروبي، لكن بصيغ اخرى، لأن الفرد الأوروبي لا يأبه لطبيعة ملبسه أثناء العمل، إنما تجدينه في عطلة نهاية الأسبوع يغير نظامه بأكمله ويشمل ذلك أماكن الترفيه والمزاج، وصولاً إلى ملابسه التي يختارها بعناية وستكون من ماركات معروفة حتماً.