ومن الشك ما قتل !

1٬049

د.قاسم حسين صالح/

يعني الشك في الأدبيات السيكولوجية أن العقل يكون محتارا بين فكرتين متناقضتين لا يكون قادرا على اختيار أحداهما، فيما يكون على المستوى الانفعالي غير قادر على اتخاذ قرار بين الاعتقاد وعدمه. ويتضمن الشك عدم التأكد، وعدم الثقة بفعل او دافع او قرار. وفي القاموس المحيط يعني الشك.. خلاف اليقين وجمعه شكوك، ويحدده في الشك بالأمر.

ويمكننا تصنيف الشك الى ثلاثة أنواع: الشك الايجابي، ويعني التأكد وامعان الفكر قبل القيام بعمل له احتمالات متعددة، وذلك لضمان حماية الفرد لنفسه، وعدم تكرار الأخطاء، ولتعويد العقل على التروي والابتعاد عن التهور والسرعة في الأمور الحياتية المهمة.

والنوع الثاني هو الشك السلبي او سوء الظن بالآخرين، واوضح وصف له، قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم)، وحديث للنبي (ص) في قوله(إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث). ويكثر هذا النوع بين الموظفين الذين يشعرون بالنقص. وغالبا ما يؤدي هذا النوع من الشك الى: الغيرة،الحسد، الكراهية،البغضاء،الحقد، او الكيد بالآخر.. فضلا عن تأثيراته السلبية على أداء المؤسسة وكم ونوع انتاجيتها.

أخطر أنواعه

اما النوع الثالث فهو الشك المرضي.. وهو أخطر أنواع الشك وأقبحها. ففيه تتحول حياة الفرد الى جحيم، ويصبح رأسه أشبه بعش (زنابير) تدور فيه دوامة من أفكار وظنون سيئة بالآخرين تحرمه النوم في الليل والعلاقات الطيبة بالآخرين في النهار.
غير أن الصورة الأكثر شيوعا لهذا النوع من الشك يكون بين الزوجين.. سببه الرئيس انعدام ثقة فيما بينهما، ناجم اما عن تفكير خاطئ او شعور بالنقص، او تصرفات من أحدهما تدفع الآخر الى الشك بنوايا شريكه.

وما لا ينتبه له كثيرون أن الشك غالبا ما يبدأ من تصرفات بسيطة يفسرّها الطرف الثاني بأن لها معنى معينا، تؤدي الى أن تظهر عليه، رغما عنه، تغيرات بطريقة تعامله معه وحتى بنظرات عينيه.. تصل في حالات الى غيرة تدمر العلاقة الزوجية.. خاصة اذا كان الشك ناجما عن أوهام او ظنون أخلاقية.

وضع الشريك في دائرة الشك

واذا كانت بعض أسباب الشك ناجمة عن أن أحد الزوجين يشعر برفض الطرف الآخر خاصة في العلاقة الحميمة بينهما، فإن هناك أسبابا تكون مرتبطة بطبيعة شخصية أحدهما. فالزوج او الزوجة الذي لم يكن قد حصل في طفولته على الحب الكافي من الوالدين.. قد يشعر بأنه غير محبوب، فتأخذه ظنونه أن الآخر يمكن أن يتخلى عنه في أية لحظة ولأتفه الأسباب، وتضطره الى ممارسة الأسقاط بأن يضع الشريك، البريء، في دائرة الشك.
ليس هذا فقط، بل أن أحد الزوجين اذا كان قد تعرض في طفولته الى الاهمال،او كان منطوياً ودون أصدقاء، او ان أسرته كانت تبالغ في تحذريه من الجميع، فان عقله يتبرمج على الشك بكل من حوله، ويستمر معه هذا الشعور إلى الزواج.

ولقد لاحظنا في الحالات التي تراجعنا أن الشك يكثر بين الزوجين اللذين يكون أحدهما على قدر من الجمال، فأن الشريك الأقل جمالا تتملكه الظنون بأن شريكه سيكون على علاقة بشخص أكثر جمالا، وأنها غالبا ما تنتهي بانهيار العلاقة الزوجية.

حوادث خطرة

على أن أخطر أنواع الشك هو ذلك الذي يجبر صاحبه على ارتكاب جريمة.. قد يكون الضحية أعزّ ناسه. ففي احدى الزيارات التي كنت اصطحب فيها طلبتي الى مستشفى الرشاد (الشماعية).. التقينا برجل في الخامسة والثلاثين من عمره.. قتل أمه!..لأنه كان يشك فيها أنها ستضع له السم في أكله.. مع أنه حاصل على بكلوريوس تجارة من جامعة بريطانية!.

وفي واقعة كانت حديث الصحف العراقية في التسعينات أن زوجة وضعت السم في عشاء زوجها.. وحين بدأ مفعول السم اغلقت عليه الباب وقالت له هذا جزاء خيانتك. وحادثة أخرى غريبة لزوجة نشرت صورتها في كتب علم النفس الأجنبية أنها قطعت العضو الذكري لزوجها! لشكها في أنه يخونها. والمفارقة أنني حين حكيت هذه الحادثة لأستاذة جامعية، قالت: (حيل بيه..يستاهل!)..وأن كنت تريد أن تتأكد..جرّب واسأل المدام!.