يوم اليتيم.. استيقاظ مؤقت لمشاعر العطف على من فقدوا الأبوين

999

سارة طالب السهيل/

تحل ذكرى الاحتفال بيوم اليتيم في الجمعة الأولى من شهر أبريل، فتستعيد الناس رحمتها وتستيقظ مشاعرها بالحنان والعطف على اليتامى خاصة قاطني دور الأيتام، وتسارع الجمعيات الخيرية لإقامة حفلات ترفيهية وفنية للأيتام ومنحهم الهدايا في محاولة لرسم بسمة رضا على شفاه صغيرة حرمت من الدفء الأسري، ولم يعرف قلبها الصغير لحظة احتواء وقبلة دافئة من قلب أم وضمّة أمان في حضن أب.

مهمة إنسانية مقدسة

فالصراعات الدموية التي تشهدها منطقتنا العربية والشرق أوسطية زادت الجراح وخلفت آلاف الشهداء، ومن ثم زاد عدد اليتامى في مختلف الدول العربية. ويأتي الاحتفال بيوم اليتيم وسط تنامي عدد يتامى أبناء الشهداء الذين دفعوا ثمن إخلاصهم ودفاعهم عن أوطانهم، ما يجعل رعاية أبناء الشهداء واحتضانهم وإسعادهم مهمة إنسانية مقدسة.

وربما يتنامى عمق إحساسي باليتيم ومشاعره وخفقان قلبة لحظة ارتوائه بالحنان، وابن الشهيد اليتيم على وجه الخصوص في هذا الشهر أكثر من أي وقت في شهور السنة، لأنني عايشت مرارة اليتم بفقدان أبي الشهيد، وأستعيد ذكرى استشهاده يوم 12 أبريل من كل عام بحثاً عن ذاتي فيه واستعادة للحظة ضمني فيها الى صدره الحاني، وبعد استشهاده فقدت هذا الأمان والسلام.

نعم، لا أحد يستطيع أن يعوض الطفل الصغير الحرمان من أبويه ولا كنوز الدنيا كلها تعوضه، ولكن الاحتفال بيوم اليتيم يبقى فرصة لإخراجه من أحزانه والترويح عنه وإسعاده وإشعاره بأنه كائن مهم في الحياة وأنه يستحق المحبة والتقدير خاصة لو كان ابن شهيد ناضل من أجل الوطن وسلامة أفراده.

وبرغم أهمية الاحتفال بيوم اليتيم إلا أنه ليس كافياً لمسح دمعة حزن في عينيه الصغيرتين، فرعاية الأيتام لابد أن تتواصل معظم أيام السنة باعتبارها عملاً مقدساً وهي درجات القربى من الله ورسوله.
وتكتسب رعاية الأيتام مكانة عليا لدى الخالق العظيم، بدليل أن القرآن الكريم ورد فيه ذكر اليتيم ورعايته وإيوائه في ثلاثة وعشرين موضعاً منها قوله تعالى “كلا بل لا تكرمون اليتيم” وقوله “قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل”.

ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة، فقد نشأ صلى الله عليه وسلم يتيماً، ولذلك كان أرحم الناس باليتامى، وحث المسلمين على حق كفالة اليتيم وجعل في كفالتهم سبيلاً لمرافقته في الجنة وفقاً لحديثه الشريف: “أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة” وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى.

كما أوصى المسيح عليه السلام بالأطفال وقال: دعوا الأولاد يأتون الي ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله.

خطط تربوية وتعليمية

أتمنى أن نحتفل بيوم اليتيم وابن الشهيد بمزيد من إضفاء البهجة على قلوبهم، والعمل على حل مشاكلهم الاجتماعية والنفسية بتكاتف جهود أهل الخير مع المؤسسات الحكومية المتخصصة والجمعيات الخيرية، كما أتمنى أن نراعي مشاعرهم باستخدام العبارات اللائقة التي لا تجرح كيانهم وكرامتهم والعمل على الإعلاء من شأنهم و زرع الثقة فيهم وتشجيعهم على تحقيق الذات وعمل خطط تربوية وتعليمية ترتقي بهم لنضمهم لبناة الأوطان.

وهذا العمل لن يتحقق له الإخلاص إلا اذا آمنا بأن رعاية الأيتام وكفالتهم مادياً ومعنوياً هي عمل مقدس يثيب عليه الله ويرفع به الدرجات، وهنا سنجد قلوباً مؤمنة تتعامل مع الأيتام وفق حقوقهم الإنسانية في الرعاية والحنان والتعليم والعمل ومن دون التفرقة بين يتيم وآخر بناء على العرق أو الدين أو الشكل، فكل طفل جاء من رحمة الله وكلنا إخوة بالإنسانية، فنحن نفعل الخير من أجل الخير ولا نرتجي المقابل، كما يجب أن لا تقتصر هذه الرعاية على يوم واحد في السنة.

فالمجتمع الذي يرعى أيتامه وأبناء شهدائه هو مجتمع إنساني أخلاقي يطرح فيه الخالق الكريم كل بركة ونماء، فلنسارع للخير حتى نجده في يومنا وغدنا، ولنبتكر معاً أفكاراً جديدة نحاول فيها دمج هؤلاء الصغار في المجتمع ليصبحوا أشخاصاً أسوياء يسهمون في بناء المجتمعات وسلامها وأمنها.