أبطال من وهم!
إياد عطية الخالدي /
يظهرون بأسمائهم وصورهم الصريحة، يطلقون تصريحات خطيرة ويمتلكون جرأة يحسدون عليها، يدوّخون أجهزة الأمن والمخابرات، يهاجمون الحكومات بشجاعة لافتة يتفاعل معها جمهور وسائل التواصل الاجتماعي، تتساقط الإعجابات على بوستاتهم كزخات المطر. إنهم مطارق وألسنة حادة تواجه الجميع دون خوف اومواربة، وتفضح خصومها، لكنها تنبطح أمام قوة لاترى عيوبها وتتستر على أخطائها وجرائمها، بل تزّوقها وتبرّر لها، لأنها الجهة التي تحميهم وتمدهم بهذه البطولة المزيفة التي تبهرنا وتدفعنا للانحناء لها، إنهم الأبطال الوهميون خلف الشاشات الفضية.
هؤلاء هم الذين كشفوا لنا عن زيفهم وعن ارتباطهم بتلك الجهات الحامية التي تجندهم ضد خصومها، لكنها جهات قادرة دائماً على توفير كل انواع الرعاية لهم، تغدق عليهم بسخاء فهي تحتاجهم في السلم كما في الحرب، انهم يمثلون في الواقع قوتها الضاربة في منظومة كبيرة اسمها الجيوش الإلكترونية، لكنها لن تتردد في التخلي عنهم وعن خدماتهم إن اقتضت مصالحها لذلك.
الرجال والنساء الجالسون خلف الشاشات الفضية لديهم مايميزهم، ما يجعلهم مشاريع جيدة لقيادة الهجمات ضد الأعداء والخصوم، ولديهم القدرات المتميزة على استخدام مساحيق لتجميل أقبح الأفعال وتشويه أجمل الصور، فإلى جانبهم تصطف منظومة كبيرة يحتشد فيها إعلاميون وشعراء وفنانون ومهرّجون وكتّاب، ما يجمعهم انهم مستعدون دوماً لتقديم خدماتهم مقابل المال واشياء اخرى.
أوافق على أن العالم الافتراضي له ألعابه غير البريئة وله أساليبه المختلفة في الأداء والتعامل، لكن تجربة الحشود التي تعمل لصالح أجندات ليست جديدة، سبق للطغاة والحكام الجيدون والسيئون على السواء أن استخدموها، لكنها ارتدت هذه المرة جلباباً إلكترونياً، وجرى إخراجها بطريقة مختلفة وأكثر تأثيراً.
لا أختلف مع من يرون أن الآخرين الذين يواجهون هجوماً من هذه الجهات لهم الحق في مواجهتهم بجيوش مماثلة وبجذب قيادات وشخصيات قادرة على مواجهة رموزهم، ولم يعد خافياً أن لداعش جيشها الإلكتروني الفاعل كما أن للبعث جيشه الإلكتروني ولأحزاب وقوى ومخابرات وسفارات جيوشها الفاعلة التي تربك الأوضاع الأمنية والسياسية والاجتماعية، والتي تنعكس في نهاية المطاف سلباً على حياة المواطن في العراق، الأمر الذي ينبغي على الحكومة أن تفعّل قوانينها التي تمكنها من مواجهات عالم جديد يحتاج الى تنظيم، وأن لا يترك سائباً خاضعاً لقرارات غير واضحة.
ينبغي إذن أن تعمل الحكومة والبرلمان على حماية الأمن الوطني والاجتماعي وحتى الاقتصادي من عالم بات ينقل المزيد من تعاملاته الى الفضاء الإلكتروني ما يعني أن هذا العالم بحاجة دائمة الى المزيد من القوانين التي تنظم الحياة الافتراضية فيه.