أبو نواس في ضيافتي

1٬090

عواد ناصر/

دفعني الفضول لأقبل صداقة أحدهم على «الفيسبوك» لأن اسمه (وهو مستعار كما رجحت) أبو نواس.

ذهبت إلى صفحته لأتبين شخصيته فاكتشفت أن صديقي الجديد يشبه أبو نواس حيث الكثير من شعره وحكاياته وجرأته ومجونه وخمرياته ومعاركه وسجنه في زمن (هارون الرشيد) وفي زمن ابنه الأمين وهو تلميذه.

فكرة صديقي الفيسبوكي طريفة وممتعة وهو يتقمص شخصية الشاعر المجدد، الحداثوي، المثير للجدل، أكبر فطاحل العصر العباسي الأول، وهو الذي نقل القصيدة العربية من البكاء على الأطلال إلى البكاء على صدر الحبيبة، وأحسبها الوثبة الأهم في شعرنا العربي القديم.

وما إن قبلت الصداقة حتى كتب لي على «الخاص»: أنا ممتن لك لأنك قبلت صداقتي، وأنا العارف أنك من عشّاق أبو نواس. لكن المفاجأة كانت هي قوله: «أنا أبو نواس»! ثم أضاف: هل تؤمن بتقمص الأرواح؟ قلت: لا ونعم! فأنا أعتقد بالتأثير والتأثر حتى الذوبان كما يصيب المتصوفة. سألني ما أكثر ما أعجبك مني؟ قلت: شطرةٌ لك تقول فيها: «والكاسُ تشكو فكرةَ الحاسي» وهي لعمري فكرة عميقة، مستحدثة، تؤنسن المادة وتشارك المرء قلقه. رد: لعلك تعرف، يا صاحبي، أنني رجل علم وفلسفة وما الشعر إلا أقل اشتغالاتي. عجبت من هذا واستغربت فنحن لا نعرف من أبو نواس غير شعره، أو بعض شعره، لأن الكثير من تراثنا ضاع. استأذنته لأنني نعست وعلي أن أنام، والنوم سلطان لا راد لأمره. قال: تصبح على شعر، ولكنني أعرف أن ليل الأديب كنهاره، أو هما موصولان بعضهما ببعض. طرقٌ على بابي.. قمت وفتحت وإذا برجل يوشك أن يعبر خمسينه، ابيضت لحيته وشاربه، وبدا على هيأة القديسين برداء أبيض يعلوه شال أخضر، بينما لف رأسه بعمامة بيضاء صغيرة أقرب إلى قلنسوة ينسل من جانبيها سالفان أبيضان يتصلان باللحية فلا تنظر إلا ما يتصل من فوق بما دون. سألت الرجل عن كنهه، فقال بلا إعياء ولا تردد: أنا أبو نواس.

صدمت وأخذتني ما تشبه الغيبوبة للحظة قبل أن أنطق: أهلا بشيخي ومعلمي وصاحبي.. وفتحت له الباب.

جلس باسترخاء الحكيم وتلقائية الكريم.. حتى قال: تبت إلى ربي عن كل معصياتي وذنوبي.
قلت: وقصدت بيت الله حاجا؟

قال: هذا ما صار مني من زمان بعيد لأن جنان محبوبتي أرادت بيت الله فقلت أرافقها، وما جنان إلا جمع جنة، والحج باب من أبواب الجنة.ألا تعرف أن ما ينشد في «التلبية» والموالد وفي إذاعاتكم وتلفزيوناتكم:

إلهنا ما أعــدلكْ……….. مليك كلّ من ملكْ

لبيك قـد لبيتُ لكْ……….. لبيك إن الحمد لكْ

والملكُ لا شريك لكْ……… ما خاب عبدٌ سألكْ

إلخ القول، وهو من صناعتي أنا عند حجي بيت الله.

أفقت من نومي بعد حلم نواسي جميل حيث زارني أبو نواس في حلمي!.