أجراس صغيرة
جمعة اللامي
“والأجراس الصغيرة تدق أعلى مما تدق الأجراس الكبيرة”
(مثل صيني)
أجراسنا، لاسيما تلك الأجراس الصغيرة، تدق منذ عقود أبيدة. ولكن أحداً منهم – يا أخي، لا يريد الاستماع إلى رنينها وندائها، وعياطها أحياناً، وصراخها الصامت، أحياناً كثيرة.
لماذا لا يسمعنا الذين ينبغي أن يصل صوتنا إليهم؟
ربما لأن الأجراس الكبيرة، الأجراس الضخمة، أجراسهم التي نعرفها جيداً، تغطي على أصواتنا، وتهبط علينا من فوق، مثل قوة غاشمة، أو مثل عاصفة مَطريّة مباغتة.
نعم هذا صحيح.
لكن الأجراس الصغيرة، أجراسنا التي لا نفارقها، التي تساكننا منازلنا، وترافقنا حتى إلى ما بعد المجرّة، ما تزال تدق، بلى والله، تدق وتدقّ، فاستمع إليها، أرجوك، واستمعوا إليها، أرجوكم، لأننا أجراس صغيرة، ومتواضعة، مثل قطرة ماء. نعم، مثل قطرة ماء، إن أنت أجريت على تربتها قطرة ماء لرأيت نخيلاً باسقاً وزيتوناً طيباً.
ولقد انهمر المطر على أجزاء عديدة على كوكبنا، كما حدث وسيحدث، ففاضت شوارع، وتعطلت طرقات، وبانت أسقف على حقيقتها، وانكشفت مستورات عديدة.
أي، والله العظيم، مستورات عديدة، اقتصادية واجتماعية وثقافية وفنية.
في المستور الأول، انكشف غير المكشوف، قبل المطر المباغت، وبان أكثر ما هو اجتماعي متسخ، بعدما تفجرت عيون الأرض في واحد من أكثر العلوم فرادة.
لقد انتبه أهل مأرب إلى خراب البلاد، بعدما جاء السيل العرم على تلك الجنة الغنّاء.
ولقد رأيتُ بأُمّ عينيّ تلك الجلاميد العملاقة التي دمرها فأر صغير، أو جرذ بحجم هرّ مطابخ. وكانت أصوات قليلة، ومخلصة لذاتها، وأمينة لربعها تقول: يا أهل مأرب، لا أبةَ لكم.
وكشف المطر، قبل قرون، وحتى ما قبل سنوات، أن الفأر الصغير لا يزال يتناسل، ساعة بعد ساعة، حتى تحت سررنا الزوجية. إنه خراب مأرب، مثلما هو “طاعون” البير كامو: الفئران عند السلالم، وبجوار العيادات الطبية، وغير بعيدة عن أسوار الثكنات العسكرية، فئران تحفر أنفاقاً، تحت وعلى يمينك فئران، وحيث ما تميل جرذان!!