أحزان حزيران

475

#خليك_بالبيت

يوسف المحمداوي /

قال أحد الحكماء: “ما كرهت في حياتي سوى ثلاثة، الصديق الذي وراء صداقته غرض، والقريب الذي وراء قربه حسد، والحبيب الذي وراء حبّه خيانة”.
أنا مع ما قاله الحكيم لكنّي أضيف لما عيّن من كرهٍ كرهاً آخر فرضته عليّ سني العمر بما جاد عليها الدهر من نوائب، وكرهي هو لشهر من شهور السنة وقد يكون مصدر فرح لغيري من البشر فهنيئا لهم به، لكنّي فتحت عيني على الدنيا لأرى شهر حزيران شاهراً سيف العداوة والكراهية بوجهي، ولا أريد أن أكون ظالما بالحكم عليه فأغوص في عمق التأريخ لأفضح ما خبأت أيامه من خيبات، وسأكتفي بما أبغضني منه في حياتي فقط.
كنت في المدرسة الابتدائية حين حصلت الحرب العربية الاسرائيلية، وكان المد القومي العربي يستعمر عقولنا وقلوبنا في ظل السلطة العارفية وما تمليه علينا مناهجنا الدراسية من شعارات ومَنْ منّا لا يتذكّر “أنا جندي عربي… بندقيتي في يدي” و”فلسطين عربية… فلتسقط الصهيونية”، وما صحونا من تلك الحماسة الا على أول نكسة في الخامس من حزيران في العام 1967، ولا أنكر أنّ ذلك الحدث هو من دقّ حجر الأساس لكرهي لهذا الشهر، وهناك حوادث طفيفة لا أرى داعياً لذكرها، حتى جاءت حرب صدام الطائشة مع إيران، وأخذت ما أخذت من العراقيين وبعيدا عن عدد شهداء عشيرتي؛ سأكتفي بذكر الذي خسرته في تأريخ 6/6/1986في معركة أم الرصاص وهو الشهيد علي جاسم محمد الصيصان وكان ليس ابن أختي فقط وإنّما صديق عمري الذي أفتقده حتى لحظة كتابة هذه السطور، فمن يلومني على كره حزيران أو الرقم (6)؟
لم تثنِ هذا الشهر قوافل الشهداء الذين ذهبوا إثر العمل الاجرامي الذي حدث في العام 2006 بتفجير قبة ضريحي الإمامين العسكريين ليدوّي انفجار آخر في الثالث من حزيران 2007 ويدمّر مئذنتي المرقد بالكامل، وما خلف هذا الانفجار وسابقه من شهداء أبرياء بسبب الفتنة الطائفية بأرقام لا يمكن أن تحصى، وفي العاشر من حزيران 2014 سقطت الموصل بيد داعش وبعدها بثلاثة أيام حدثت جريمة العصر التي لا تماثلها جريمة على مر العصور وهي مجزرة سبايكر التي راح ضحيتها (1700) شهيد من شباب العراق وكان من بينهم ابن أخي الشهيد حسين علي وهو الوحيد لأبيه، وفي نفس الشهر تم احتلال تكريت، ثم جاءت فاجعتي باستشهاد ولدي “علي” في الرابع عشر من حزيران 2016، وكل ما مرّ عليّ هذا الشهر ويطلّ فجر ذلك اليوم العاشوري أشعر وكأي والد بأنّي افتقدت قمري اليوم، وصدق محمود درويش حين يقول: “ذكرى الخسارة أصعب من حياة الخاسرين”.
ولم يشبع هذا الشهر من ضحايانا فتآخى مع “الكورونا” وأمراض أخرى ليحصدوا المئات من أبناء هذا الوطن المنكوب، وآخر من التحقوا بقافلة الراحلين الروائي حميد الربيعي لإصابته بمرض عضال، وكضحايا لحزيران وكورونا نجما الكرة العراقية أحمد راضي وعلي هادي والفنان مناف طالب.
ختاما أقول ليكرهني الله إن لم أكرهك يا حزيران.

النسخة الألكترونية من العدد 362

“أون لآين -5-”