أشباح ماركيز ورولفو

29

أحمد سعداوي

خاضت السينما والدراما العالمية هذا العام غمار تجربتين مثيرتين، بالعودة إلى الخلف 50 سنة تقريباً، لإعادة إنتاج رائعة الأدب المكسيكي، رواية (بيدرو بارامو) لخوان رولفو، الرواية المؤسّسة لتيار الواقعية السحرية في الرواية اللاتينية. ثم تحقيق وعدٍ ترقّبه الكثيرون، بإنتاج رواية غابرييل غارسيا ماركيز الأشهر (مائة عام من العزلة) مسلسلاً درامياً، عرض موسمه الأول مؤخراً على منصّة (نيتفليكس).
في كلا العملين كانت هناك تحديات كبيرة، ووضعت الجهات الإنتاجية والمخرجان (المكسيكي رودريغو بريتو لفيلم بيدرو بارامو، والكولومبية لورا مورا لمسلسل مائة عام من العزلة) في موضع حرج، بسبب شهرة الروايتين، وكونهما عملين أدبيين تجريبيين معقدين.
المتشبّع بجماليات الرواية لن يستطيع الشعور بدهشة جديدة من العمل الدرامي أو السينمائي، وستعمل المقارنات، وما حذفه المخرج، أو ما ركّز عليه وأضافه، بشكل تلقائي في وقت المشاهدة. ويمكن تقبّل جميع ردود الفعل، إلا تلك التي تشعر بأن إعادة الإنتاج الدرامية والسينمائية هي “انتهاك” لقداسة العمل الروائي، فهذه مبالغة، لأن السينما والدراما التلفزيونية، منذ بداياتها كانت مشتبكة مع القصص والروايات، وهناك أعمال أدبية أعيد انتاجها مرّة بعد أخرى، كل عقد أو عقدين، كما هو الحال مع رواية (البؤساء) لفيكتور هيجو.
ما يهمّني شخصياً هو مدى استجابة العمل السينمائي، أو الدرامي، لاشتراطات التلقّي المعاصرة. فعلى الرغم من الإنتاج الضخم وبناء الفضاءات وشغل الإضاءة والتصوير الباهر، إلا أن فيلم بيدرو بارامو بدا تجريبياً مثل الرواية، وأشبه بروحية أفلام السينما المستقلّة، يبعث على التشتيت، ويخلو من الشدّ الدرامي. ربما حقّق انطباعاً جيّداً عند النخبة، ولكن ماذا عن نجاحه التجاري والجماهيري؟
في مسلسل (مائة عام من العزلة) أدمج كتّاب السيناريو (خوسيه ريفيرا، وناتاليا سانتا، وكاميلا بروجيس، وألباتروس جونزاليس) مفردات من روايات أخرى لماركيز، من “إيرنديرا العجيبة”، و “ليس لدى الكولونيل من يكاتبه”، و “وقائع موت معلن”، من دون سبب درامي، فالرواية الأصلية زاخرة بالتفاصيل ولا تحتاج الى استعارات من روايات أخرى.
كما أن المسلسل فشل في صناعة مرجعية تفسيرية من داخل المسلسل، ويظلّ المشاهد في حالة من الغموض لتفسير بعض الأحداث، ويحتاج للعودة إلى الرواية من أجل فهمها. هناك تكرارات كثيرة، وضعف في الشدّ الدرامي. وكأن كتّاب السيناريو والمخرج يستحضرون شبح ماركيز أمامهم أثناء العمل ويخشون إغضابه.