أعاجيب الدماغ !
جواد غلوم/
قد يبدو الأمر غريباً لو قلنا جازمين إن الدماغ الإنساني فيه من الأسرار الهائلة والمعجزات والحقائق ما قد تضارع أسرار الأرض كلّها وربما يكون عمله بوسع الكون الهائل في قوة طاقته الإنتاجية اللامتناهية في الابتكار والإبداع ؛ فهذا العضو الفعّال الصغير حجماً الذي يعلو الجسد لم يُستثمر من طاقته الهائلة سوى الجزء اليسير من فعاليته وإبداعاته ووظائفه لايعدو 10% من وظائفه المعمولة حاليا ،وأمّا بقية النسبة العالية 90% فما زالت لم تُستغلّ بعد رغم عمر البشرية الطويل واستقرارها في معمورتنا.
وكما ان أجهزة الإنسان الهضمية والتنفسية والعصبية والسايكوباثية وغيرها تمتلك نسقاً كاملاً هارمونياً فائق الدقة والترتيب والضبط ؛ لكن الدماغ الانساني يفوق كل هذه الأجهزة تعقيداً وحنكة وهارمونية منسقة وبما يشمل أيضا كل الكائنات الحية الحيوانية والنباتية على سطح الارض؛ والخاصية الأبرز فيه انه لايمتلك أعصاباً مستقرّة في خلاياه بحيث لا يشعر بالألم عند ارتجاجه او تعرّضه للصدمات الخارجية او الدهس او الضرب لكنه صانعٌ ماهرٌ لتنشئة الأعصاب وتكوينها لبقية أعضاء الجسد البشري.
فالدماغ البشري رغم صغر وزنه الذي لايمثل سوى 2% من وزن الانسان لكنه يستهلك نحو 20% من الطاقة الموجودة التي يتمّ بناؤها في الكائن البشري، وهو القائد المحتكم على كل أجزاء الجسد رغم ضآلة حجمه، كما انه يحوي اكثر من مئة مليار خلية عصبية، وهذا الرقم الهائل يعادل 15 مرة عدد سكان العالم البالغ سبعة مليارات إنسان، ويبلغ طول المسارات العصبية التي يديرها الدماغ خمسة ملايين وثمانمئة الف كيلومتر بما يعادل 145 مرة لمحيط الكرة الأرضية!!
تقوم تلك الخلايا التي يديرها الدماغ بتنظيم كل العمليات الحيوية التي تجري داخل أجسامنا اوتوماتيكيا ودون وعيٍّ منا مثل تنظيم دقات القلب وإجراء عمليات الشهيق والزفير وترتيب عمليات الهضم إضافة الى قيامها بعمليات تخزين معلوماتية تفوق أدق الحواسيب الآلية حيث تقوم المختبرات الطبية الراقية بالاستعانة بها معلوماتيا للوصول الى معرفة اية حالة إرباك او خلل قد تصيب الجسد من اجل معالجته من خلال التشخيص اعتمادا على خزين المعلومات في تلك الخلايا.
ويعوّل الدماغ على وفرة الأوكسجين لزيادة نشاطه وتحسين فعاليته ؛ فالهواء النقي المشبع بالأوكسجين بمثابة الغذاء الرئيس له والذي بدوره يمنح الجسد عافيته من خلال تنظيم عمل بقية الاجهزة ، ولو نقصت كمية الأوكسجين لعشر دقائق على اكثر تقدير فقد يؤدي ذلك الى تلف دائم في الدماغ.
اما المخ فيعتبر اكبر جزء من الدماغ ويعادل 85% من وزنه ويستهلك 15% من دفق الدورة الدموية البالغ 7200 لتر يوميا والتي يضخّها القلب لباقي اجزاء الجسد ويعوم في سائل كي يخفّف من وزنه لئلا يثقل عبؤه على الرأس، وقد حصّنه الله بعظام الجمجمة حماية له من الصدمات غير المتوقعة باعتباره كنز الكنوز للبشرية لا يعدله شيء مهما غلا لكونه مصدر الثراء والنعيم والهدأة والرقيّ لو أحسن استخدامه، مثلما هو مصدر التعاسة والإحباط فيما لو عشّش الجهل فيه وسار باتجاه طرق الخرافة والإيهام والضلال. وحباه الله نعمة النموّ وتجديد حيويته دون بقية أعضاء الإنسان حتى سنّ الأربعين سنة من العمر .
ترى كم منا استثمر عقله في الابتكار والاكتشافات في حقول المعارف كافة خاصة اذا ما عرفنا ان العباقرة العظام ومَن أسعد البشرية بمخترعاته وحقق نجاحات باهرة في ميادين العلوم والآداب ، فهؤلاء لم يستخدموا من وظائف الدماغ وأعاجيب قدراته سوى 10% من فعاليته وبديع صنعه ، فما زالت امام البشرية أشواط كبيرة للارتقاء والنماء والازدهار والتقدم سيحققها الدماغ البشري مستقبلا فيما لو حسنت الاستفادة منه والنهل من بدائعه وابتكاراته، وعلينا اولاً وقبل كل شيء ان نبعده عن أوهام الخرافات واللامعقول والأساطير ومسالك الغيبيات والاتجاه الى العلمنة والتجريب فهي الطريق الأسلم والأجدى لإحداث قفزات سريعة في رقيّ العقول.