ألعاب الطفولة !!

396

التطور،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭ ‬،‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬قوانين‭ ‬الحياة،‭ ‬يتميز‭ ‬بالثبات‭ ‬وعدم‭ ‬التغير،‭ ‬ولذلك‭ ‬لازم‭ ‬البشرية‭ ‬منذ‭ ‬ولادتها‭ ‬وحتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭. ‬وعندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬المراحل‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬الإنسان،‭ ‬وطبيعة‭ ‬كل‭ ‬مرحلة،‭ ‬فإنما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬التطور،‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬السيف‭ ‬والرمح،‭ ‬الى‭ ‬حروب‭ ‬المدافع‭ ‬والقنابل‭ ‬الذرية،‭ ‬ومن‭ ‬حياة‭ ‬الكهوف‭ ‬مع‭ ‬الأفاعي،‭ ‬الى‭ ‬حياة‭ ‬القصور‭ ‬مع‭ ‬الجواري‭..‬الخ‭ ‬

لا‭ ‬شيء‭ ‬خارج‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬الأزلي‭ ‬الخالد،‭ ‬المعتقدات‭ ‬والأفكار‭ ‬والسياسة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والتعليم‭ ‬ووسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬والتنقل‭ ‬و‭ .. ‬و‭ .. ‬ولا‭ ‬تخرج‭ ‬ألعاب‭ ‬الطفولة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬الكونية،‭ ‬وليس‭ ‬أدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬كوننا‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬–‭ ‬والأمر‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬المنوال‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬جميعها‭ ‬–‭ ‬نتحدث،‭ ‬أو‭ ‬يتحدث‭ -‬على‭ ‬وجه‭ ‬الدقة‭- ‬كبار‭ ‬السنّ‭ ‬منا،‭ ‬عن‭ ‬ألعاب‭ ‬الطفولة‭ ‬في‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬مثلاً،‭ ‬فهي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬كما‭ ‬أصبحت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬و‭.. ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬كما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭..‬

في‭ ‬طفولتي،‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬الى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستين‭ ‬سنة،‭ ‬أذكر‭ ‬جيداً‭ ‬أن‭ ‬الأولاد‭ ‬كانت‭ ‬لهم‭ ‬ألعابهم‭ ‬الخاصة‭ ‬بهم،‭ ‬التي‭ ‬تتسم‭ -‬الى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭- ‬في‭ ‬بعضها‭ ‬بالقوة‭ ‬والخشونة،‭ ‬مثلما‭ ‬كانت‭ ‬للبنات‭ ‬ألعابهن،‭ ‬التي‭ ‬تتسم‭ ‬عادة‭ ‬بالرقة‭ ‬والليونة‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬لعبة‭ (‬الدمى‭ ‬أو‭ ‬بيت‭ ‬العروس‭)‬،‭ ‬ولعبة‭ (‬التوكي‭)‬،‭ ‬وغيرها‭. ‬وقد‭ ‬استوقفتني‭ ‬لعبة‭ ‬تدعى‭ (‬طمة‭ ‬خريزة‭) ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬تهيئة‭ ‬كمية‭ ‬من‭ ‬التراب‭ ‬الناعم،‭ ‬وتتولى‭ ‬البنت‭ ‬التي‭ ‬تدير‭ ‬اللعبة‭ ‬تحريك‭ ‬التراب‭ ‬بيديها‭ ‬حركات‭ ‬رشيقة‭ ‬ومذهلة‭ ‬وتحويله‭ ‬الى‭ ‬أكوام‭ ‬صغيرة،‭ ‬وفي‭ ‬أثناء‭ ‬ذلك‭ ‬تخفي‭ ‬تحت‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأكوام‭ (‬خرزة‭)‬،‭ ‬فإذا‭ ‬استدلتْ‭ ‬عليها‭ ‬البنت‭ ‬الخصم‭ ‬ربحتها،‭ ‬واذا‭ ‬فشلت‭ ‬فعليها‭ ‬أن‭ ‬تدفع‭ ‬خرزة‭ ‬الى‭ ‬البنت‭ ‬التي‭ ‬تدير‭ ‬اللعبة،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تتسع‭ ‬دائرة‭ ‬المشاركات‭ ‬الى‭ ‬بنات‭ ‬عدة‭. ‬كما‭ ‬لاحظتُ،‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المدن‭ ‬العراقية،‭ ‬قيام‭ ‬نساء‭ ‬بعمر‭ ‬المراهقة،‭ ‬أو‭ ‬الشباب،‭ ‬أو‭ ‬متزوجات،‭ ‬يمارسن‭ ‬هذه‭ ‬اللعبة،‭ ‬لكن‭ ‬الربح‭ ‬والخسارة‭ ‬فيها‭ ‬تكون‭ ‬عبر‭ ‬النقود‭ ‬البسيطة‭ ‬جداً،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬فلساً‭ ‬واحداً‭.. ‬لأغراض‭ ‬التسلية‭!‬

اللافت‭ ‬للنظر‭ ‬أن‭ ‬لعبة‭ (‬طمة‭ ‬خريزة‭)‬،‭ ‬التي‭ ‬اختفت‭ ‬تماماً‭ ‬من‭ ‬قائمة‭ ‬الألعاب‭ ‬البناتية،‭ ‬عاودت‭ ‬الظهور‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬منذ‭ ‬عقدين‭ ‬تقريباً،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬يلعبها‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬هم‭ ‬الكبار‭ ‬من‭ ‬الجنسين،‭ ‬معظمهم‭ ‬سياسيون،‭ ‬والجديد‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬أدخلوه‭ ‬على‭ ‬اللعبة‭ ‬هو‭ ‬تغيير‭ ‬اسمها‭ ‬من‭ (‬طمة‭ ‬خريزة‭) ‬الى‭ (‬الطمطمة‭)‬،‭ ‬ويراد‭ ‬بها‭ ( ‬طمطم‭ ‬لي‭ ‬وأطمطملك‭) ‬وليس‭ ‬فينا‭ ‬من‭ ‬يخسر،‭ ‬فكلانا‭ ‬يربح‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬أولاد‭ ‬الخايبة‭!!‬