أنبياء القَلم

688

جمعة اللامي /

“القَلَمُ طَبيبُ المنطق”
( جالينوس )
… ولكن، وا أسفاهُ، أصبح القلم بٌوقاً، وصرنا نرى بوّاقين أكثر من ذرّات مياه شطّ العرب، ويدخل إلى بيوتنا، برضا منّا، أو بغير رغبة منّا، مَنْ قلمهُ في ظلامه أشدّ من ظلمة عقله. وهؤلاء ومَنْ على دربهم وخطاهم، ليسوا مبتغاي في هذه السانحة، فللقلم جباه شاهقة، ونفوس شمّاء.
ولقد وجدتُ مبتغاي، وأنا أُنقّبُ في قلمي، عن أصحابي من حملة القلم، ما جادَ به على البشرية، صاحب “الحرب والسلام”، تولستوي حين قال: “وجدتُ في القلم قلباً ينبض، وجُرحاً يلتئم، وروحاً تهيم، ووجدتُ فيه نفسي التي قضيتُ طفولتي التي أبحثُ عنها.”
بالله عليكم، تفكّروا في الجملة الأخيرة: “ووجدتُ فيه نفسي التي قضيتُ طفولتي التي أبحثُ عنها.” وإني لأدعوكنَّ سيداتي، وأتوجه إليكم سادتي، للتمعّن في الفكرة العالية التي يطلقها بطريرك الرواية الروسية، بمقالته تلك، في ساعة من التفكر والدراسة والتأمل.
والآن، ماذا وجدتم، أيها السادة، أيتها السيدات!
وقبل أن يجيبَ أي واحد منكم، تعالوا إلى مقولة رجل عربي يدعى (أحمد بن يوسف)، فهو يُعيد ما قاله الجاحظ، الكناني، البصري، العراقي، بقوله: “بالأقلام تُساسُ الأقاليم.” وهذه مقولة مُجَرّب ونداء عاقل، ولكن أين عقول كثير منا من هذه المقولة العراقية؟ حسناً، سيداتي ـ سادتي، لنتأمل أيضاً في مقولة أحد أشياخ السرد العربي، وهو (عبد الحميد الكاتب) في شأن القلم: “القلمُ شجرةً ثمارها الألفاظ، والفكر بحر لؤلؤهُ الحكمة.” وهذا ـ لعمركم، يعني أن العرب (كانوا) يحترمون القلم، ويجدون في الفكر بحراً ثماره الحكمة، تلك الحكمة التي هي من اشتقاقات أسماء ربنا “الحكيم”.
وإذا ما أردتَ، عزيزنا القارئ، معرفة مربَّع صفات الإنسان العربي، فهي “الحكمة” و”الصبر” و “الكرم” و “الشجاعة”. ولله درّ صاحبيّ “حكمة الشامي” عندما قال لي ذات يوم، ونحن في بطن “الحوت الطائر”، اسمع يا صاحبي: “الأقلام مطايا الأذهان، وإني لأوصيك بقلمك، فحتى لو ضاعت مكتبك، فسيبقى لديك قلمك.”
وهذا هو قلمي، اللهم فاشهد: عراقيّ الضمير!