أيها الزوجانِ.. تَـخاصَما تتحابّا
جواد غلوم/
الحياة الزوجية الهادئة الساكنة الخالية من الخصومة ليست تماماً بأفضل حال، فقد تحيط بها الرتابة والملل والسطحية ويُضعفها الروتين اليومي عندما لا نكترث بما يحصل من منغّصات وأخطاء ومسالك غير سويّة؛ فنلجأ للسكوت لئلا يحصل شجار بسيط أو ملاسنة كلامية أو نزاع أسَري، في حين أن المخاصمة الإيجابية العابرة التي تهدف إلى معالجة الخطأ تعدّ ضرورية لبقاء الآصرة الزوجية متينة وشديدة الحزم.
لتدرك أيها الزوج، وأيتها الزوجة، اذا لم تتشاجرا بين حين وآخر فأنتما لستما متحابين بالقدر الذي يرضي حياتكما ويزيد من أواصر محبتكما، وليكن الخصام سائداً بين أمد وآخر من أجل إدامة الحياة الزوجية، فهذه الفسحة الصغيرة من الملاسنة الكلامية والنقاش الهادف هي نكهة الديمومة والالتحام بين الزوجين.
إن لم تتشاجرا بين حين وحين فأنتما تفتقدان حباً حقيقياً؛ ففي الخصام البريء يتحرك الحب ويعيد ترتيب الحياة الجميلة ويحرّك الراكد ويذيب الجمود السائد بين اثنين تعلقا ببعضهما؛ وإلا كيف نعالج الأخطاء ونكشف السوءات التي تتخلل حياة الحبيبين من أجل محوها من صفحاتنا البيض؟؟
لا تخافا من الشجار المؤقت العابر وكشف الأخطاء في سبيل العتب وبيان مواقف الفتور والضعف التي تتخلل حياتكما فالمعاشرة الرتيبة تثير الملل أحياناً ولا بد من تحريكها وتسخينها لو بردت، وما أجمل أن تُسمع وجهة نظر الزوج أو الزوجة عند الإشارة إلى سبب الخصام ومبعثه من أجل معالجة حالة الإرباك والخطأ التي لابد أن تتخلل الحياة الزوجية، إنها أشبه بمصل اللقاح لتعزيز وتقوية مناعة الجسد السليم حتى ولو أُنهك بضع ساعات ليعود معافى قوياً منتصراً على حالة الفتور والهوان.
أيها الزوجان الغاليان؛ إذا أردتما إبقاء جذوة الحميمية بينكما دافئة ومشتعلة فادخلوا في خصومة مؤقتة لتعالجا مطبّات طريقكما ولو شعرتما أن الأمور بينكما أضحت ليست على مايرام، تخاصما قليلاً، ولتعلموا أن أكثر الشجار حدّة لايستطيع أن يضعف حالة الحب بينكما بل يزيد من حالة الثقة بين الطرفين طالما أنكما تهدفان إلى إعادة ترتيب حياتكما بالشكل الأسلم.
وليفهم الزوجان أن لاشيء يشبه الكائن الآخر في السلوك والتصرف والتعامل ولسنا نسخاً كاربونية نشبه بعضنا ونتطابق تماماً وإنما نقترب فيما بيننا إلى حد التلاقي والتهامس والمناجاة وقد نبتعد في حالة ما ونلجأ إلى رفع الصوت إذا اختلفت وجهات النظر وتعارضت الآراء مع الإبقاء على احترام آراء الطرف الآخر حتى وإن اختلفت مع وجهات نظر الطرف الثاني دون أن نترك الاختلاف يبعد المسافة بينكما بحيث تسحقنا الاختلافات سحقاً؛ إنما من الضروري الإبقاء على احترام وجهات النظر مهما ابتعدت عن قناعة الطرف المقابل.
هكذا هو الشجار الأسَريّ المؤدي إلى التصحيح باعتباره اختباراً للقوة العقلية وامتحاناً للقوة العاطفية كي ترسخ أكثر فأكثر، وهنا لابدّ أن يقف الخصام على معالجة أمرٍ شاذ وطارئ قد يطفو وإزالته من محيط العلاقة الزوجية السامية دون أن يمتدّ ليخرب كلّ شيء وما على الزوجين سوى أن يمسكا زمام الأمر بيدٍ واثقة قوية لئلا ينفلت إلى ما لاتحمد عقباه، فما أن تنتهي عاصفة الخصام وتهدأ رعود أمطارها سيعود القوس قزح جميلاً ساطعاً بألوانه في سماء العلاقة الحميمية وتصفو الأجواء صفاءً لا مثيل له.