أيّها المُسنّون؛ تفاءَلوا تُعمِّروا
جواد غلوم /
يقاس معيار الصحة والمعافاة لدى المسنّين الكبار بثلاثة محددات رئيسة ؛ أوّلها أن يمتلك الإنسان نشاطاً جسمياً قادراً على الحركة والعمل والانتقال من مكان إلى آخر دون عناء، وثانيها أن يخلو ذهنه من تدهور إدراكي ويتميز بالفطنة وعدم النسيان ونباهة العقل، وثالثها أن يكون سليماً من الأمراض المزمنة الخطيرة كالسرطان والسّكري وتدهور الرئتين وأمراض القلب وما يصاحبها من إرباك في الدورة الدموية التي كثيراً ما تؤدي إلى حدوث الجلطات الدماغية وتضييقات في الشرايين التي تقوم بتوزيع الدم لأعضاء الجسم كافة بلا انسدادات او عراقيل تسببها الخثرات.
بهذه المعايير يمكن أن نطلق على الإنسان الهرم بأنه يتمتع بصحة جيدة ويراعي شيخوخته مراعاة تامة.
ولكي تستمرّ هذه الحالات الإيجابية الصحية لدى الكبار في السنوات اللاحقة بلا منغّصات ويبقى الإنسان المسنّ عضواً نافعاً في وسطه الاجتماعي ومعافى في بدنه.. هنا لابدّ من أن يكون مفعماً بغبطة التفاؤل، وهذا هو الأساس لحياة زاهرة ومشرقة تكاد تكون خالية مما يعكّر صفوها.
هذا ما أكدته جامعة هارفرد الأميركية في مدينة بوسطن السنة الفائتة في دراسة ميدانية موسّعة أظهرتْها مع نتائجها في آذار / 2019، في مشروع ابتكرته وسمّتهُ “الصحة والتقاعد”، إذ اختارت مجموعات ممن تجاوزت أعمارهم الستين سنة فأكثر وكان عددهم (5700) من المسنّين رجالاً ونساءً يتمتعون بفعالية عقلية وجسدية لائقة بعد إجابتهم على أسئلة متعددة تتعلق بالحياة ورؤيتهم لها، فكانت إجابات معظمهم أنهم يستبشرون بالمقبل الأفضل ويرون العيش سعادةً ومرحاً في حياتهم الآنية والمستقبلية وهم دائمو التفاؤل؛ باعثو الأمل وراضون على معيشتهم في قناعة تامة.
استمرت الجامعة في متابعة أحوال هذه المجموعة من المسنّين الأصحّاء الذين تمّ انتقاؤهم على مدى(6-8) سنوات بعد فرز مجموعة من الكبار الهرمين الواهنين الضعفاء لإخراجهم من دراستها والاقتصار على المسنّين المتعافين نفسياً وجسدياً، وكانت الغاية الأساسية هي معرفة وجود علاقة بين التفاؤل وبين الشيخوخة السليمة واختيرت أسئلة محددة ذات طابع إيجابي فحواها الشعور بالأمل والإقبال على الحياة وعدم الانطواء وتلافي الانغماس في اليأس والقنوط.
أيقنت الدراسة بعد الانتهاء منها وخلصت بنتيجة مؤكدة أن كبار السنّ الأكثر تفاؤلاً واستبشاراً بالحياة يبقون بصحة وافرة وسالمين من الأمراض المزمنة الخطيرة كلما ازدادت أعمارهم وهم الأبعد عن الانحطاط البدني والعقلي وتبقى ذاكرتهم ذات فعالية مقارنةً بأقرانهم ممن يرون في العيش اسوداداً ويأساً وخوفاً من الأسقام وترقّباً للموت.
فيا أيها المسنّون الكبار أمثالي؛ أقبلوا على الحياة بفرحٍ وتفاؤل لتسلموا من الأمراض وليزداد عمركم بهجةً وسعادة وليكن شعاركم الدائم “تفاءلوا تعمّروا” مذكّراً بما قال الأديب الفرنسيّ فولتير بأن “التفاؤل هو إصرارٌ بأن الأمور مازالت طيبة وعلى مايرام حتى لو مرّ العمر سريعاً وأوصلنا الى عتبة الشيخوخة.”