إجازات غريبة!!

668

حسن العاني /

ثمة الكثير من التعابير او الألفاظ التي نستعملها في مخاطباتنا وحياتنا اليومية من دون الالتفات الى أنها من السِعة والشمول والتنوع بحيث تغطي مساحة غير قابلة للتصديق، من ذلك على سبيل المثال مفردة (إجازة)، فقد عجزتُ في حصر الدلالات التي تذهب اليها. ومعلوم أن هذه المفردة مشتقة من (جاز أو أجاز)، ويراد بها السماح أو الموافقة على الإتيان بعمل ما، ومن هنا جاء اسم (جواز السفر)، لأنه يوفر لحامله إذناً بدخول بلد غير بلده، وأهل النحو واللغة يقولون (وجوب- جواز- جواز- جواز الوجهين)، وكثيراً ما نقرأ أنّ فلاناً حصل على (إجازة) في الخط او الإفتاء او التلاوة. وفي التعاملات الرسمية، يقتضي حصول المواطن الذي يود قيادة مركبة أو دراجة بخارية على (إجازة) سوق، ويقال الشيء نفسه عن إجازة البناء أو الاستيراد والتصدير أو افتتاح مطبعة أو نادٍ أو محل لبيع المشروبات الكحولية أو صيدلية. وإجازة حمل السلاح لا تخرج عن هذا السياق، ومثلها إجازة طبع كتاب أو إصدار جريدة أو عرض فيلم أو مسرحية أو تأسيس كلية أهلية.. الخ. والبلدان التي تحترم شعوبها، تحترم بالضرورة فن الغناء، ولذلك تؤلف لجاناً خاصة لإجازة النص الغنائي وصوت المطرب وسلامة اللحن. وعلى العموم فإن الإجازات لها صفة رسمية، وتخضع لإجراءات معينة، حتى أن بعضها يكون من مسؤولية سلطة عليا في الدولة، كما هو الحال مع الإجازات التي يجب على المواطنين استحصالها للتظاهر ضد زواج القاصرات مثلاً او ضرب الأزواج من قبل الزوجات، أو الفضائيات التي تعمل بالمكشوف على تأجيج الصراعات الطائفية والسياسية.
لعلّ أكثر أنواع الإجازات شهرة هي الخاصة بحصول منتسب الدولة على استراحة، ومع أن أيام العطل في العراق أكثر من أيام الدوام، ومع أن نصف موظفي القطاع العام هم في إجازة أو استراحة حقيقية بسبب (البطالة المقنعة) كما يقول أهل الاقتصاد، ولكن ذلك لم يمنع الدولة من سن عشرات القوانين والتعليمات لكل من الأنواع، فإجازة الأمومة مثلاً لها شروطها الحصرية الخاصة، حيث لا يجوز تحت أي عذر أن يتمتع بها الرجل نيابة عن زوجه (مع أن النسوان يطالبن 24 ساعة بالمساواة)، والإجازة الدراسية لها ضوابطها التي تختلف عن إجازة الزواج التي تُدعى عرفاً بشهر العسل، وتعد الإجازة الأسعد في حياة الرجل والمرأة (أغرب شيء لافت للنظر هنا، ويستحق التنويه، أن الطلاق يتم من دون إجازة أو عطلة، مع أنه من أكثر المناسبات سعادة). وفي اللغة الإدارية هناك نوع من الإجازات أقرب ما يكون الى العقوبة المهذبة وليست التأديبية كالإجازة الإجبارية التي تُمنح في العادة لكبار موظفي الدولة.
وبرغم هذا التنوع في طبيعة الإجازات ومسمياتها، إلا أن هناك نوعين رئيسين من الإجازات، هما “الاعتيادة والمرضية”. وقد منح القانون منتسب الدولة إجازة اعتيادية أمدها 3 أيام عن كل شهر، ويحق للمواطن الحصول على مدة أطول، ولكن الإجازة في هذه الحالة تكون من غير راتب، أما الإجازات المرضية فليست محددة بأيام، والقرار فيها للمرجعية الطبية الرسمية، ومن هنا قد تكون يوماً أو يومين أو اسبوعاً أو شهراً أو أكثر، وفي بعض الأحيان بحسب العلاقة مع الطبيب!!
في الحقيقة هناك نوع غريب من الإجازات تعمل به بعض الدول، حيث يعطى الموظف حرية التصرف في الحضور الى دائرته، أو عدم الحضور الى أية مدة تعجبه ومن دون إذن أو إجازة أو عائق مرضي أو أسري، ومع ذلك يتقاضى راتبه كاملاً مع أية مخصصات أو امتيازات أخرى، زيادة على حقوقه التقاعدية، ويعدُّ موظفو (البرلمانات) المثال الأبرز في هذا المجال. ولكن هناك إجازات أشد غرابة، وموطنها الأصلي هو العراق، حيث يتمتع عشرات الآلاف من منتسبي الدولة (مدنيين وعسكريين) بإجازة مفتوحة، ويتقاضون رواتبهم ومخصصاتهم وعلاواتهم وترفيعاتهم واستحقاقاتهم التقاعدية بصورة طبيعية، وهم لا يرون مؤسساتهم الا في يوم الراتب، وبدلاً من أن يُطلق عليهم اسم (المتسربين) مثلاً أو الفاسدين أو الحرامية، نالوا لقباً ظريفاً ومتحضراً وعلمياً من قبل الدولة نفسها، وهو ( الفضائيون)!! أشهد أنه لقب موفق وجميل نستحق عليه براءة اختراع..