إشهارات عربية نافلة!

452

جمعة اللامي /

لم نقرأ – نحن الذين عشنا وعايشنا عقد الستينيات من القرن الماضي، الذي كان رأس عقود القرن- أن أحداً نشر إعلاناً مدفوع الأجر مسبقاً، يكيل المديح لتشارلي تشابلن، أو لورنس أوليفيه، أو سارة برنار، بعدما فرغوا من إداء أحد أعمالهم الفنية.

“لتمثيل الكوميديا، أحتاج إلى حديقة،
ورجل شرطة، وفتاة جميلة.”
(تشارلي تشابلن)
ولم يحدث -مثلاً- أن كتب فرنسي، أو مُتَفَرنِس، مقالاً في صحيفة، يُراد به إعلان، عندما ارتبطت مدارس تشكيلية، ومراحل فنية، بالرسام بابلو بيكاسو.
وحتى عندما أُعلنت وفاة بيكاسو، الإسباني الأصل، لم تكن ثمة صفحات سود في صحف فرنسا. قالت زوجته جاكلين لأندريه مالرو:
ـــ “أعزّي فرنسا برحيله.”
ثم كتب أندريه مالرو بحثه الرائع: “أنا وبيكاسو.”
ولكنْ كانت أزهار كثيرة في شوارع باريس.

لا يحتاج تشابلن إلى شاهد إعلاني، اللهم إلا عمله الفني. ولقد قام أوليفيه بإخراج مسرحية شكسبير “تيخون الأثيني”، في (كراج) صغير ومهجور، يتسع لبضع عشرات من النظّارة، أو لفرقة هواة من كندا، ونجحت تلك المسرحية، ولم يقل أحد، بطريقة مسرحية، إن لورانس أُوليفيه أعاد إحياء شكسبير: لقد أهدوا إليه زهوراً وورداً. وهذا يكفي.

كتب أحد المثقفين المصريين المرموقين، هو لويس عوض، مقالاً مؤثراً حول هذه المسألة، على بساط من المعرفة والعلوم والأخلاق الفنية: وغداً، عندما يرحل أحد الفنانين المرضى، أو حين يودعنا كاتب ما، أو عندما يتقلد أحد منا منصباً فنياً ما، ستجد مساحات محجوزة في عدد من الصحف العربية، تبكي ذلك الفقيد بدموع باردة، او تهنئ ذلك السعيد بكلمات حارة تفتقد الحرارة الأخلاقية، وهي إعلانات مدفوعة الأجر، مسبقاً أو لاحقاً.

إن لافتات الثقافة الاستهلاكية، حيث كل شيء يخضع للربح فقط، انتشرت بشكل سرطاني في الحياة الثقافية العربية، ولاسيما عند الذين تعوزهم المنابت التأسيسية الصحيحة، ويفتقرون الى جسور محكمة تربط حاضرهم بماضي أمتهم.
نتفهم أن ينشر أحدهم تهنئة لطبيب زائر، وهي في الحقيقة إعلان مدفوع الأجر، مثله مثل مشهد تمثيلي ضد العنف في إحدى الفضائيات العربية: هذه تجارة بائرة ولافتة أخرى من لافتات ثقافة الاستهلاك، وتحويل الاهتمامات الفنية والثقافية إلى سلع في مشهد غير ثقافي وغير فني للعرض والطلب.
القضية الفكاهية، أن البعض من هؤلاء يصدق نفسه في الإعلان المدفوع الأجر!