ابن خلدون في التحرير

658

نرمين المفتي /

كأن ابن خلدون (المتوفى سنة ١٤٠٦) قد كتب مقدمته عن العراق، سواء السلطة والحاكم أو الشعب والحقوق وأسباب السقوط والانهيار، وأشار في مواضع عديدة إلى الثورة وإلى تأثير السياسة على الاقتصاد، كما أشار إلى (الأثرياء الجدد) الذين يستغلون ضعف السلطة الذي يؤثر، مثلاً، على أسعار العقارات فيشترونها بأثمان زهيدة بانتظار سلطة أخرى تبدأ ليبيعوها بأسعار عالية ويصبحوا (علية) القوم وشركاء في السلطة والفساد. وإن شرحنا رؤية ابن خلدون لسبب ضعف السلطة وانحلال الدولة بالمصطلحات الحديثة فيكون الفساد وتقريب أشخاص بعينهم دون غيرهم من مراكز القوى وإهمال الآخرين..
وكأن المتظاهرين السلميين استوعبوا مقدمة ابن خلدون، ووضعوا سياستهم الخاصة التي تؤثر على الاقتصاد وأطلقوا وسم (صنع في العراق) و (زرع في العراق).
على مدى ١٦ سنة أصبح العراق في بدايتها سوقاً لكل خردة العالم من السيارات ومن ثم سوقاً لمنتجات دول الجوار خاصة وغيرها عامة، بدءاً من الكرفس والثوم وليس انتهاء بالأثاث المنزلي ومروراً بالصابون ومساحيق الغسيل والزيوت والألبان، بل حتى الحامض حلو، ونتذكر (أحدهم) الذي حوّل مليارات الدولارات لاستيراد هذا النوع من الحلويات، والمفارقة اننا لم نرَها في الأسواق!
بدأنا في مجلة “الشبكة العراقية” حملة لتشجيع الناس على التوجه إلى المصنوع في العراق والمزروع فيه منذ أكثر من سنة لأسباب، منها المحافظة على اقتصاد البلد والمحافظة على الصحة العامة، ولاسيما أن الصناعة المحلية تكون تحت شروط السيطرة النوعية.
أسهم وسم (صنع في العراق) في إقبال الناس على الألبان العراقية، واكتشفنا أن (جلود) تنتج بضاعتها الجلدية الفاخرة، ولاسيما الأحذية، وأن معامل خياطة النجف تنتج البدلات الرجالية الفاخرة وأن الزيوت النباتية ما تزال تنتح الزيوت والسمن والصوابين والشامبوات وغيرها..ومرة أخرى، الفساد كان متعاوناً مع التجار، طبعاً ليس كلهم، في الاستيراد وطرد المنتج العراقي، لكن الوسم الذي تحول إلى حملة أعاد إليه مكانته وشجعه على الإعلان عن نفسه..