اتّباع الهوى

388

يوسف المحمداوي /

أصبحت أخبار ظاهرة الفساد وسرقة المال العام من العناوين الرئيسة التي تملأ جميع القنوات الإعلامية، سواء بذكر اسم بطل هذه الصولة من عدمه، ولكن ما يلفت نظر المواطن المبتلى أنَّ العقوبة الصادرة بحق هذا الفاسد أو ذاك لا تتناسب مع حجم السرقة التي فعلها وأدين بسببها، فمثلا هناك فساد بأدلة دامغة وبأموال تصل إلى مليارات الدنانير يحكم على سارقها بعقوبة عامين أو أربعة أعوام وأحيانا يكون الحكم غيابيَّاً لهروب المجرم خارج البلاد، بل هناك أحكام بتبريرات غير مفهومة وعلى سبيل المثال لا الحصر “حكم على المدير العام في الوزارة الفلانية بالسجن لمدة عامين لتسبّبه في هدر المال العام دون ذكر المبلغ المهدور، وكيف وفي أي عملية وعلى أي مشروع؟”، وهو ما يجعل تلك القرارات القانونية موضع تساؤل المواطن البسيط الذي لسان حاله يقول: “منذ التغيير وإلى يومنا هذا وأنا حبيس المعاناة في كل شيء، فمن أزمة الكهرباء إلى أزمة مفردات البطاقة التموينية، ومن تراجع مستوى التعليم الحكومي إلى غياب الرعاية الصحية، ومن تزايد مستويات الجريمة وغياب الأمان إلى غيابٍ لأبسط الخدمات المتوفرة في أكثر البلدان فقراً، ومن إلى من… وقلبي بأعلى صوته يئن، ويأتي المدير أو الوزير الفلاني ويختلس المليارات وعقوبته تكون بما لا يرضاه الله ولا القانون ولا العقل البشري، فأين العدالة في تلك الأحكام؟”، ألا يحق لهذا المواطن أن يفكّر لو نُصِّبَ يوما ما وتصدَّر موقع المسؤولية في هذه الدائرة أو تلك أن يختلس كمن سبقوه في هذا الكرسي لا سيما أنَّه يعرف تماما أنَّ مدة العقوبة التي سينالها مشابهة لمن سبقوه في هذا الجرم مقابل تلك المليارات التي ستغنيه وتغني أحفاد أحفاده الذين سينعمون بهذا الثراء بدلا عن العوز الذي أعياه طيلة أعوام ما بعد التغيير، لكن هذا المواطن الذي أصبح مسؤولاً عليه أن يكون تابعاً لجهة أو كتلة سياسية لضمان الأحكام المخفّفة، لأنَّه من غير تبعية تلك الاحزاب أو الكتل لم ولن يحظى بالمنصب ولا المليارات، وعليه اتباع الهوى لكون “اتباع الهوى يعمي عن الحق، وطول الأمل ينسي الآخرة وهما مادة كل فساد” كما ورد في الأثر.