اقتصاد الفساد

387

د. حسن عبد راضي/

قد يبدو العنوان أعلاه غريباً، فهل للفساد اقتصاد خاص به؟ الجواب: نعم، للفساد اقتصاده الخاص الذي قد يكون أقوى من اقتصاد البناء والإعمار والنزاهة، وهو متماسك وله عناصر ومقومات تعمل بانسجام غريب، كما لو كان أداؤها محكوماً بخوارزمية حاسوبية لا تقبل الخطأ ولا السهو، وتتطور و”تُحدّثُ” نفسها باستمرار.
فلو جئنا إلى قطاع الكهرباء مثلاً، فإننا سنجد واحدة من أسوأ الكوارث الاقتصادية مستمرة في الحدوث، وهي تستنزف أموالاً طائلة قد تعادل ميزانيات بعض دول المنطقة متوسطة الموارد، وتعالوا نحسب المسألة “حساب عرب” كما يقال: عدد سكان العراق أقل من 40 مليون نسمة بقليل، لكننا سنقربه تقريباً تنازلياً فنقول: 36 مليون نسمة، وسنفترض أن معدل عدد أفراد الأسرة الواحدة في العراق هو (9) أفراد، ومعنى هذا إن عدد العائلات هو أربعة ملايين عائلة، وهذا يعني أربعة ملايين “جوزة” كهرباء إضافية ثمن الواحدة منها حوالي 5 دولارات، وأربعة ملايين جهاز تحويل “جنج أوفر” متوسط ثمنه 8 دولارات، ويحتاج كل منزل إلى ثلاث “بكرات” من الأسلاك في المتوسط أيضاً ثمنها مجتمعة يقارب 80 دولاراً، وإلى جوزة أخرى للتشغيل والإطفاء يسلمها لصاحب المولدة = 5 دولارات أيضاً، ثم على كل عائلة من هذه الأربع ملايين أن تدفع شهرياً ما متوسطه 60 دولاراً أجور مولدة، ناهيك عمَا لا أستطيع حسابه من “العاكسات” والمولدات المنزلية الصغيرة التي تعمل بالبنزين، وقد لا تبلغ أرقامها ما بلغته الحسبة أعلاه، لكنها قد تقارب ربعها.
فإذا أضفنا إلى كل ذلك أن كل تلك المواد التي ذكرناها يضطر كل بيت تقريباً إلى استبدالها كلياً، ولاسيما في شهور الصيف الحارقة، حين ينقطع خط المولدة بسبب تماسات تحدث بين الأسلاك وأعدادها بالملايين، ولا يستطيع الإنسان تمييز “وايره” من واير أخيه الإنسان، فيضطر إلى تسليك جديد كامل.
ولا يَحسُنُ بنا أن ننسى البحر المتلاطم من الكاز الذي أحرقته المولدات، ولا تريليونات الأمتار المكعبة من الغازات السامة التي أطلقتها عوادمها في الهواء. إننا على هذه الحال منذ تسعينيات القرن المنصرم، لكن إذا حسبنا التكاليف طوال الثمانية عشر عاماً الماضية فقط، فسنجد أننا، نحن المواطنين، قد هدرنا “عشة وعشين” مليار دولار من دون أي جدوى أو تحسّن في الخدمة.
وإنّ اللسانَ لينعقد والعقلَ ليشتُّ والروحَ لتطلَعُ حين نضيف إلى كل ذلك، المليارات السبعين (تقريباً) التي أنفقتها الحكومات المتعاقبة على الكهرباء، ولا رأينا محطات توليد عملاقة تحل المشكلة، ولا استثمرنا طاقة الشمس اللهم إلا في “طبخ الرطب” والبشر على السواء، ولم ننشئ حقول توليد طاقة نظيفة كما حصل في البلاد المجاورة، ولا “بروانات” تستقبل الريح وتحولها إلى كهرباء وفلوس.
أحدثكم الآن في أيار ودرجة الحرارة تلامس الخمسين، وما يزال أمامنا جحيم حزيران وتموز وآب اللهاب.. وكل صيف و”أنتم إلى الله أقرب”.