الأرض

536

#خليك_بالبيت

جمعة اللامي /

“لَولا التُقى لَقُلْتُ ، لم …. يَخْلُقْ سواكِ الوَلدا !”
( شوقي ــ الديوان )
إلى أمهات شهداء العراق

واالله، لولا التُقى الذي خاطبهُ أحمد شوقي، وقبل ذلك لولا الحياء من الله، لناديتُ عليك باسمك، ولشَيَّمتُ الصادحات، وأبكيتُ النائحات، وأنطقتُ الخُرسَ، وجعلتُ نخلة الدار تنادي عليك: يا أمّ عليّاً هوّني عليك، ها هو ولدك عليٌّ، يحمله رفاقه وأخوته، مُكفّناً بثياب الميدان، محروساً بكتاب الله، ومُطيَّباً بتبر أرض السواد: العراق !
فأنت أمه، وأمنا، أم الذين لم يروا النور بعد، ولم ينطقوا بكلمة “ماما” إلى الآن، وأنت والدة الذين سيقولون غداً: يا لَسَعْدنا، من هنا مرَّت أم عليّ !، ألستِ أنت الذي قال فيكِ شوقي ؟:
إنْ شِئتِ كان العِيْرَ، أوْ … إنْ شِئتِ كان الأسدا
يأْخُذُ ما عوَّدتِهِ … والمَرءُ ما تَعوَّدا ؟!
وأنت المدرسة التي عناها حافظ ابراهيم، وحِجر السكينة الذي خاطبه سقراط، والوسادة التي لا تعادلها وسادة، والثغر الذي لا أجمل منه ، كما قال شكسبير. وأنت الذي قال فيك المصطفى، عليه أفضل الصلوات والسلام : “الجنة، تحت أقدام الأمهات”.
في أيام الناس هذي، حيث صيام عدد من الأيام، نعمة لا تُضاهى من مُرسل النعيم . ومع إفطار اليوم السادس، رأيتُ بياضَ عباءتكِ السوداء يشعّ عند منعطف في شاطئ الكحلاء فنسيت نفسي، بل نسيت كل شيء، إلا الله، وتوجهت إليك: رأيت عصابة رأسك، حرير حاجبيك، والدمعة الحبيسة في مآقي عينيك، والنور الذي يغمر دجلة فائضاً من وجيب قلبك.
قلتِ لي: “خلّك حيث أنتَ، وتذكرني”.
خرستُ.
وكان قلبي – فقط، يهتف: أنت الجانب المنظور من وجه الله، والطور والسين والكتاب الأعظم الذي قرأته البشرية، وسيظل يقرأه الآتون من بعدما تُفنى البشرية. فأنت الأغنية التي لا قبل لأي كائن بها. وأنت جمال الوجود ونور الحياة، كما قال برناردشو، وأنت أقدس مقدّس في الحياة، فولا حنانك لانقرضت الحياة، ولولا حضنك لتحولنا إلى وحوش وبهائم.
وأنت البيت، والعائلة، والوطن.
وأنتِ … !
وأقتربتُ منك كثيراً: رأيتك تحملين عليّاً طفلاً، وقبل ذلك رأيتكِ في ساعة الطلق، تهتفين باسم وليد الكعبة، فترددُ الآفاق صدى صوتكِ، وتتآخى الذئاب مع الحملان !

النسخة الألكترونية من العدد 362

“أون لآين -5-”