الأغنية مسؤولية!
محسن إبراهيم/
الأغنية الحقيقية، والتي تتمتع بالصدق مستندة على أركانها الثلاثة: النص واللحن والصوت العذب، تدخل القلب مباشرة. والموسيقى، بصورة عامة، هي من الفنون التي لاتُرى بالعين المجردة، إنما هي إحساس يؤثر بالمتلقي لما تحمله من صدق المشاعر كتابة ولحناً وأداءً. كثير من الأغاني كانت تحمل تلك المواصفات وأمست بوّابة لعبور مؤديها إلى عالم الشهرة, حيث كانت الأركان الثلاثة للأغنية تحمل في طيّاتها الالتزام الفني ناهيك عن الصدق في التعبير, من هذه الأغاني أغنية (يصبّرني) للفنان أحمد نعمة، كتب كلماتها الراحل كاظم اسماعيل الكاطع ولحّنها الفنان سرور ماجد. ولهذه الأغنية حكاية أخبرني بها أحد المقربين من شاعرنا الكاطع, في ثمانينات القرن المنصرم كتب الكاطع عدة نصوص غنائية للمطرب صباح الخياط، وكانت أغنية (يصبرني) من ضمن تلك النصوص, بعد فترة وجيزة عاد الخياط إلى الكاطع قائلاً: لم أستطع أن أوفي حق النص تلحيناً، ويقصد هنا أغنية (يصبرني), برغم أن الفنان صباح الخياط كان يتمتع حينها بشهرة واسعة على المستوى الشعبي وسوق الكاسيت، وكان يلحّن جميع أغانيه. لكن الالتزام الفني والإحساس بمسؤولية الكلمة دفع الخيّاط إلى الاعتذار عن تلحين تلك الأغنية خوفاً من أن لايتلاءم اللحن مع قوة النص الغنائي، وهذا يحسب للفنان صباح الخياط. تذكرت هذه القصة وأنا أشاهد أنصاف المطربين والملحنين والشعراء غير مصدقين ما وصلوا إليه، برغم أن أغلب أعمالهم هي أعمال مسروقة وذات أصول تركية وأفريقية، فضلاً عن ركاكة النصوص الغنائية. والسبب هو لأنهم لم يستمعوا، كمتذوقين، لأعمال الملحنين والشعراء الكبار, وهذا أمر طبيعي ونتاج لما يحدث، ولمَ لا طالما هناك كوكبة كبيرة من شعراء وملحني الأغنية الحقيقيين يجلسون في منازلهم, يردّدون مع أنفسهم ( يصبّرني الما يدري بعلتي ويكلي تهون).