البرغي الذي غيّر الحياة!

653

عامر بدر حسون /

ايام زمان.. كانت الزراعة هي الشغلة الاكثر انتشارا بين البشر.

وكانت تتم بوسائل بدائية.. ومن تلك الوسائل رجل الدين:

قارئ الأدعية ومعلم الصلوات وصانع الطقوس وهو من ياخذ باسم الكنيسة “التبرعات”!

مئات السنوات مرت والفلاح يزرع ويحصد ويحاول ان ينال رضى الله من خلال رضى “ممثله” في الارض.. فقد كانت فكرته ان زرعه وحصاده هو نتاج رضى رجل الدين وادعيته ومباركته.. وعندما يستعصي المطر كان رجل الدين هو من يقوم بصلاة الاستسقاء!

حتى مؤسسة الدولة كانت تحتاج لـ”ممثل” الله هذا، فالملك لا يحكم ان لم تباركه الكنيسة وتمنحه صفة سيف الله في الارض.

وعلى هذا اندمجت السلطة الدينية بالسلطة السياسية الدنيوية. فاصبحت السلطة دينية!

***

كيف انتقل الناس من السلطة الدينية في الحكم الى السلطة المدنية؟

لم يصدر الملوك او الرؤساء قرارات بذلك.. ولم تفكر الكنيسة او السلطة بفك ارتباطهما طوعيا.

لقد حدث شيء خطير وجديد في المجتمع قلب الأوضاع رأساً على عقب.

***

ما حصل ان “البرغي” (رمز الصناعة) انوجد وتقدم واحتل مكانه في حياة وعقول الناس فتغير كل شيء!

وخلافا للفلاح فإن الرجل الذي اشتغل بالصناعة لم يكن بحاجة لرجل الدين في عمله وربما في حياته!

كل ما كان عليه فعله هو اتباع الخارطة التي تحدد الأماكن التي توضع فيها البراغي. وكانت الآلة تعمل سواء كان يقوم بعمله وهو يغني او وهو يؤدي صلواته وادعيته!

***

مع تقدم الصناعة، وقيامها بتسهيل حتى امور الزراعة، خفت الحاجة لرجل الدين وادعيته. وخفت حاجة السلطة له تدريجيا، فالذي يشتغل في الصناعة ويستخدم عقله لم يعد يصدق ان مخلوقا ظالما مثل الملك او الرئيس هو ممثل الله.

لقد عرف الله بصورته الجديدة.. عرف ان الله لا يقبل صكوك الغفران التي باعتها الكنيسة لرعاياها.. وعرف ان لا احد تم تخويله من الله بتوزيع القصور والاراضي في الجنة.. فلم يعد يشتريها ولم يعد بحاجة لوسيط بشري بينه وبين الله.

لقد ذهب الى الله مباشرة بعد ان تعلم قراءة الانجيل والتوراة.. وبعد ان عرف ان الله لايرحب بالواسطة والمتوسطين!

لم يعد بحاجة لرجل الدين.. والحاكم ايضا لم يعد بحاجة له بعد ان ضعف دوره وتاثيره على الرعية.. وتزامن هذا مع نشاط فكري وثقافي جبار فتم فض الشراكة وتم فصل الدين عن السلطة.. وهذه كل الحكاية!

***

مجتمعنا العراقي اليوم هو مجتمع مشوّه من الناحية الاجتماعية والاقتصادية.. ونحن دولة ريعية (نبيع النفط وندفع الرواتب ونسرق.. عند توفر الفرصة!) ولسنا في عداد الدول الزراعية او الصناعية.

والواقع ان المشكلة في العراق اليوم مشكلة معقدة وعويصة. فهي ليست مشكلة دولة دينية او مدنية (اقرأ الدستور وسترى ان لا وجود لمشكلة فيه من هذه الناحية).

جذر المشكلة اجتماعي – ثقافي، وما فاقمها ان البراغي (التي غيرت حياة البشر) تأتينا مشدودة من الخارج واذا لعبنا بها اصابها الخراب!

وعلى ايامنا، كنا نضرب الراديو او اي جهاز يتعطل كما نضرب الحصان فيشتغل الجهاز ويمشي كالحصان!

أيكون ضرب الجهاز ليشتغل هو العلامة المميزة للصناعة العراقية في المستقبل؟!