البنوك الرقمية
ياسر المولى
يجري الحديث الآن عن توجهات جديدة نحو استحداث البنوك الرقمية في العراق، تماشياً مع موجة التحول الرقمي التي تجتاح دول العالم بأسره، في ظل عصر الذكاء الاصطناعي الذي يشغل الدول العظمى في تنافس محموم للتسيد على النظام المالي العالمي، ومن خلاله على الاقتصاد العالمي .
يسعى العراق، متأخراً، لمواكبة هذا التطور والتحول، محاولاً القفز على النتائج المتحققة في هذه الجزئية، وأقصد بها التحول نحو البنوك الرقمية. يتضح ذلك جلياً بقرار البنك المركزي السماح بإنشاء بنوك رقمية وبنسبة 10 بالمئة من مجموع المصارف التقليدية القائمة حالياً، التي يبلغ عديدها نحو 70 مصرفاً تجارياً، من بينها الإسلامية .وكمراقب ومتابع ومهتم بالشأن المصرفي، أبدي هنا تحفظاً على هذه النسبة، لكون هذه التجربة جديدة وستواجه تحديات جمة، في مقدمتها حجم المخاطر مع بدايات التأسيس، وستصطدم بالثقافة المصرفية لدى الجمهور “القاصر حتى الآن”، وهذا مالمسناه في صعوبة اقناعه باستخدام بطاقات الدفع الإلكتروني التي ما تزال تواجه مقاومة من بعض هذا الجمهور .
ولعل علّة تحفظي هذا تنطلق من الاطلاع على تجارب قائمة في محيطنا الإقليمي، حيث تشير المعلومات إلى أن كلاً من السعودية والإمارات والكويت وقطر، لايتعدى عدد بنوكها الاثنين أو الثلاثة، في أعلى الاحتمالات، مع تمتع هذه الدول باستقرار اقتصادي وسياسي وملاءة مالية متنوعة المصادر، فضلاً عن متانة اقتصاداتها قياساً بالخلل البنيوي في الاقتصاد العراقي .
وأتصور أن بدايات مهمة كانت قد انطلقت بها بعض البنوك بفتح النوافذ التي تمارس النشاط الرقمي، مطلوب تقييمها ودراسة وتحليل نتائجها وانعكاساتها على الثقافة المصرفية، التي تتطور ببطء، ثم دعمها .
لذلك نجد أن تجربة البنوك الرقمية، بالرغم من أهميتها في اختزال الزمن وتوفير الخدمات السريعة، في كل الأحوال، لكل الزبائن، أفرادا وشركات ومؤسسات رسمية، إلا أنها تحتاج إلى تروٍ وبدايات صحيحة، والعمل على الترويج لها ببرامج إرشادية وتوعوية وإعلانية كفوءة، بهدف ترسيخها وتوسيع استخداماتها .
هنا أجد أننا بحاجة إلى وقت متوسط الأجل، ليصار إلى التوسع بهذا التحول، إذ إن المعلومات تشير إلى أن أكثر من 90 طلباً أمام البنك المركزي تتنافس للحصول على إجازات التأسيس البالغة 7 بنوك أو أكثر.
ولا يزال البنك المركزي العراقي منهمكاً بالدراسة والتحليل والتقييم بتأنٍ، ولم تصدر أية إجازة حتى الآن .
أقترح أن تتجمع طلبات الراغبين بتأسيس البنوك الرقمية، البالغة 90 مصرفاً، لتكوين تحالفات بينها وتتقدم بثلاثة مصارف رقمية كبيرة بدلاً من هذا العدد الهائل، ومن أجل تلافي الوقوع في خطأ قرار التوسع الأفقي بإجازة المصارف الخاصة التي فشلت في أول اختبار وتحدٍ للدولار، بحيث أوقف نشاطها من خلال هذا التحليل، يمكن التوصل والحصول على إجابة عن سؤالي: “هل تتمكن البنوك الرقمية من إزاحة مثيلاتها التقليدية؟”، في رأيي بعد “عمر طويل”.