التراث المعماري العراقي

1٬320

نرمين المفتي /

بسبب التنوع الإثني والديني الذي منح العراق ثقافته وحضاراته المتميزة، فإن التراث المعماري العراقي ثرٌّ جداً، وقلّما نجد عمارة متطابقة في كل التفاصيل، ليس بين مدينة وأخرى، إنما حتى بين قرية وأخرى.. وبدءاً المفروض أن لا ننسى أن العراق ليس صاحب أول حرف وعجلة فحسب، إنما هو صاحب أول عمارة أيضاً لأنه، حسب وثائق، كان تاريخياً صاحب أول قرية، أو أول مجمّع سكني في العالم، ويشار اليها كأول مجتمع زراعي، وأقصد بها قرية جرمو (شمال شرقي كركوك) التي تعود الى ٧٠٠٠ سنة قبل الميلاد والتي اكتشفت في ١٩٤٠ وكانت تتكون من ٢٥ بيتاً، بنيت جدرانها من اللِّبن وسقوفها من اللّبن المجفف ووجدت لها أساسات من الحجر.

ورغم الظروف الجوية والبيئية ونوعية مواد البناء، فإن التاريخ حفظ لنا شواخص معمارية من كل الحضارات العراقية، تمكنا من المحافظة على بعضها، فقد نهبت بعثات التنقيب التي بدأت مع نهايات القرن الثامن عشر بعضاً منها، ودمر الجهل بعضاً آخر ودمر الجشع البعض الثالث.
أما العمارة التراثية الثرّة فقد تضررت كثيراً وفقدنا الكثير، بدءاً من نهاية الثمانينات، خاصة في شارع الرشيد، وما أزال أذكر حواري مع المعاون الفني لأمانة بغداد في ذلك التاريخ حول التصميم الأساسي لبغداد سنة ٢٠٠٠ حين سألته عن عدم الاهتمام ببعض الشواخص المعمارية وفجعني جوابه بأنها طرز عمارة عثمانية او فيكتورية، ولم أتمكن من إقناعه بأنها بعض تاريخ بغداد والعراق، مهما كانت الأسباب.

ورغم هذا، تمكنت دائرة الآثار والتراث من استملاك بيوت تراثية بعمارة مميزة بغدادية وغيرها وحافظت عليها، خاصة في شارع حيفا والكاظمية وباب الشيخ وفي المتنبي.

في سنوات الحصار وبتغاض واضح من أمانة بغداد، بدأ أصحاب البيوت التراثية ببيعها، خاصة في منطقة شارع الرشيد، وجاء الاحتلال والفساد ليتم غض النظر عما تبقى، ليس في بغداد فقط، فللمثال وليس للحصر، أشير الى ٤٣ بيتاً بطرز معمارية كركوكلية وغيرها على قلعة كركوك تم استملاكها من قبل دائرة الآثار والتراث، لم يتبق منها سوى ٤ او ٦ في أحسن الأحوال..

وإذ يطلق وزير الثقافة الحملة الوطنية لحماية التراث العمراني في بغداد، في مبادرة مباركة لم تحدث منذ ١٩٩٠، نأمل أن تشمل الحملة كل المحافظات العراقية ونتمنى أن يبدأ العمل سريعاً خاصة في منطقة شارع الرشيد الممتدة من باب المعظم الى ساحة التحرير، ليست لأنها المنطقة التي شهدت صبا بغداد، إنما لوجود مئات البيوت والعمارات بعمارة متميزة، وهذه المنطقة لا تختلف عن منطقة باب توما في الشام او شارع طلعت حرب في القاهرة او روما القديمة او المدينة المسوّرة في باكو و التي تحولت الى مناطق سياحية بامتياز ..