التصميم الأساس للمدن
ياسر المتولي
تخطيط المدن علم اقتصادي واجتماعي وهندسي، وهو أيضًا من العلوم التي تهتم بالتخطيط الحضري لبناء المدن بشكل منظم، وفقاً للتصنيف البيئي والتوزيع السليم للسكان ولكل فعاليات البناء، إذ إن التصميم الأساس للمدن ليس مجرد تخطيط عمراني، بل هو وسيلة لتحقيق التنمية المتكاملة والمستدامة التي توازن بين احتياجات الإنسان والبيئة. فالدول المتقدمة تضع موضوعة التصميم الأساس في مقدمة خطط إنشاء المدن الجديدة وتنظيم وتطوير البنية التحتية في المدن القديمة.
نرصد منذ مدة زمنية فوضى في تصميم المدن وفقًا لتوزيع الفعاليات السكانية والتجارية والصناعية، وهذا الخلل الذي رصدناه في العاصمة بغداد لم يقتصر عليها، إنما يمتد إلى بقية المحافظات .
هذه الفوضى تمثلت بخلق تشوه بصري في مشهد مدينة بغداد والمدن الكبيرة، حيث تداخلت، على سبيل المثال، أبنية الأحياء السكنية البحتة مع أبنية ذات طابع تجاري، بالإضافة إلى أنشطة خارج استخدامات الأرض وصنفها، وأحيانًا تحت عنوان (الموقع تجاري). إذ جرى، ومن دون تخطيط علمي، تحويل مواقع كبيرة إلى استخدامات (تجارية) خارج سياقات التصميم الأساس للمدن، بافتتاح مقاهٍ وملاهٍ ومطاعم وشركات ومكاتب بين الدور السكنية، فضلاً عن مختبرات ومخازن أدوية ومحال غسل وتشحيم السيارات، وغيرها، في الأزقة والأحياء السكنية بشكل يتقاطع مع قانون التصميم الأساس، علاوة على تآكل المناطق الخضر داخل المدينة.
يعود السبب في هذه الفوضى إلى عدم التزام الدوائر المعنية بقوانين وتعليمات التصميم الأساس السليم، بحيث تمنح إجازة إنشاء هذه الأنشطة والفعاليات خارج الضوابط والتعليمات، وعلى هذا النحو السيئ في استخدام الصلاحية، ما أفقد المدن محتواها.
واحد من أهم أسباب هذه الفوضى، هو الإخلال بقوانين استخدام الأرض وفقًا للتصنيف المحدد بين السكني والتجاري والصناعي أو الخدمي .لقد أسهمت فوضى التجاوز على قانون التصميم في توسيع وانتشار ظاهرة الفساد في الدوائر المعنية .
ولعل مثل هذه الظاهرة تضعف دور الرقابة والمتابعة من قبل جهات معنية، أضف إلى ما تقدم أن الكثير من الشركات بين البيوت والمخازن لا تحمل لافتة، ما يشير إلى التهرب الضريبي، لبعدها عن الرقابة في معرفة المواقع .
ومن خلال هذا المنبر الحر، ندعو إلى إعادة النظر والإسراع بمعالجة هذه الظاهرة السيئة. وندعو أيضًا البرلمان لتشريع قوانين صارمة وملزمة بتحديد استخدامات الأرض، واحترام تصميم المدن، وفقاً للفعاليات المختلفة، وإفراغ الأحياء المخصصة للسكن من كل هذه الفعاليات والمظاهر المخلة بالذوق العام أحيانًا والمتعارضة مع ضوابط وتعليمات التصميم الأساس .
إن ثورة البناء التجاري والخدمي تعكس تطور المدن، بشرط أن يجري تنظيم هذه الأبنية وفق تصاميم تعكس الظاهرة الحضارية لها من خلال إلزام المالكين بعمل مرائب، والاهتمام بالفضاءات بين الأبنية وتشجيرها، مع تحديد طرق للمارة (أرصفة)، ومقاعد استراحة، وإنارة، والاهتمام بالنظافة، ما يساعد في الوقت نفسه على تقليل التداخل بين الأنشطة غير المتوافقة، مثل المناطق السكنية والصناعية كي تستعيد المدينة وظائفها وعلى وفق ما صمم لها حضريًا.