التنمية المستدامة في القرآن الكريم

21

مالك خلف وادي*

في ظل التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية المتزايدة التي يواجهها العالم اليوم، تبرز قضية التنمية المستدامة كأولوية أساسية لضمان التوازن بين احتياجات الإنسان وحماية البيئة. وقد سبق للقرآن الكريم تقديمه مبادئ تضمن تنمية مستدامة تدعم العدالة الاجتماعية وتحافظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.
1.العدالة الاجتماعية:
العدالة الاجتماعية تعتبر الأساس الأول لتحقيق التنمية المستدامة، إذ تتضمن توزيع الثروات والفرص بشكل عادل. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ” (النساء: 58).
الآية تحث على أن تكون العدالة معيارًا أساسيًا في جميع الأنشطة الإنسانية، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، لضمان حقوق الأفراد والمساواة بين الناس. العدالة في توزيع الموارد تسهم في توفير فرص متكافئة لجميع الأفراد، ما يؤدي إلى استقرار المجتمعات وازدهارها.
2.الحفاظ على البيئة:
القرآن الكريم يحث على ضرورة الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية، ويشدد على تجنب الإفساد فيها. يقول الله تعالى : “وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا” (الأعراف: 56).
هذه الآية تبرز أهمية التوازن البيئي وتحذر من استنزاف الموارد الطبيعية وتدمير البيئة بشكل غير مسؤول. إن الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية يُعتبر مسؤولية جماعية يجب أن نعمل جميعًا من أجلها لتجنب الأضرار البيئية التي تؤثر على الأجيال القادمة.
3.التوازن الاقتصادي:
يشدد القرآن الكريم على ضرورة استخدام المال والموارد بشكل حكيم لتحقيق المصلحة العامة ودعم الاستدامة الاقتصادية. قال تعالى: “وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا” (النساء: 5).
هذه الآية تدعو إلى تخصيص الأموال والموارد في المجالات التي تعود بالنفع العام، ما يسهم في استدامة الاقتصاد المحلي والعالمي. استخدام المال بشكل رشيد يعزز النمو الاقتصادي المستدام ويحد من التفريط في الموارد الطبيعية.
4.التعاون والتكافل الاجتماعي:
القرآن الكريم يركز على أهمية التعاون بين الأفراد والمجتمعات من أجل تحقيق التنمية المستدامة. قال تعالى: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ” (المائدة: 2.)
التعاون والتكافل الاجتماعي هما ركيزتان أساسيتان لتحقيق التنمية المستدامة، إذ إنهما يشجعان على العمل المشترك لمصلحة الجميع. بناء المجتمعات التعاونية يعزز من رفاهية الأفراد ويدعم الاستقرار الاجتماعي، ما يؤدي إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة على المستوى الوطني والدولي.
إن هذه الرؤية الإلهية تدعونا إلى التفكير العميق في كيفية التفاعل مع البيئة والاقتصاد والمجتمع من أجل تحقيق تنمية مستدامة تحافظ على توازن الكون وتضمن مستقبلاً أفضل لجميع البشر.