التوثيق ليس (طشّة)

381

نرمين المفتي  /

(الطشّة) على مواقع التواصل الاجتماعي، ولاسيما اليوتيوب، تعني الارباح المالية التي ترتفع مع ارتفاع عدد المشاهدين للقنوات الخاصة وعدد المشتركين فيها وعدد الذين يكبسون على زر الجرس الأحمر وعدد الذين يؤسرون (اعجاباً)، لذلك يردد اليوتيوبرز (المدونون صوتاً وصورة) في بداية كل قصة ضرورة كبس الجرس وتأشير الاعجاب والاشتراك.. هناك قنوات ممتعة جدا، واخرى مهمة، لا اريد الاشارة اليها فقد تعتبر دعاية مجانية. وهناك قنوات تغش المتلقي بعناوبن لا علاقة لها بالقصة بتاتا (لزوم الطشّة)، واكثر العناوين التي تجذب في هذا الاسلوب هي التي تشير الى (فضيحة) فنانة او فنان، للمثال وليس الحصر.
عراقيا، بدأت القنوات التي توثق التاريخ العراقي الحديث، بينها قنوات معدودة ممتازة تقدم الوثيقة، ببصمات صوتية ولقاءات وصور وكتب ورسائل وغيرها من الادوات الضرورية للتوثيق العلمي، وبينها وهي الاكثر، قنوات (طشّة) تفبرك القصص ولا تقدم اية وثيقة، ولكل قصة عنوان مثير لزيادة المشاهدة، والمعروف ان مشاهدة اية قصة على اليوتيوب لمدة ٣٠ ثانية تحسب (عدداً) وهو وقت بالكاد يكفي لاكتشاف ان القصة لا تستحق المشاهدة.. وهناك قنوات تعمل باصرار على تزوير التاريخ لزيادة (الطشّة) ضاربة بعرض الحائط ان شهود العيان ما يزالون على قيد الحياة.. انها ليست قنوات للطشّة فقط انما تحاول ان تصطاد في المياه العكرة..
التوثيق، ولا سيما التاريخي، ليس بمهمة سهلة، وهو ليس للمتعة فقط.. فهو يحتاج الى علمية كبيرة وخبرة للقيام به. لابد من مواد خام كثيرة من ادلة وصور وشهود، وان كان الحدث قريبا يحتاج شهود عيان، فضلا عن اموال تكفي للسفر من مدينة الى اخرى واحيانا من بلد الى اخر.. بكلمات اخرى انه يحتاج الى معد متمكن ومحايد ومنتج ماهر، فضلا عن كوادر فنية من تصوير ومونتاج وانتاج واخراج.. وهناك الديكودراما التي تحتاج الى كاتب سيناريو له المام في التاريخ ليتناول الاحداث التاريخية البعيدة بوجود ممثلين يؤدون ادوار الشخصيات التاريخية. ويبدو ان الاعلام العراقي لم يلتفت الى هذا الجانب المهم، رغم وجود برامج حوارية مع شخصيات كان لها دورها في الاحداث او كانت شهود عيان، الا انها غير كافية ولاسيما ان غالبية الوثائق العراقية المهمة سُرقت او أُحرقت في الايام الاولى التي تلت التاسع من نيسان ٢٠٠٣.. نحن بحاجة الى توثيق حقيقي وعلمي ومحايد كي لا يكون التوثيق غير العلمي والمزور الذي يبحث عن (الطشّة) والارباح المالية تاريخنا بعد سنوات.. ولا انسى الاشارة الى قنوات فضائية غير عراقية تقوم بتوثيق تاريخ العراق الحديث، بعضها جيد واخر يحمل اجندات اصحابها، اي انه غير حيادي.. وطبعا اراه غير مجدٍ لو طالبت اليوتيوبرز العراقيين الذين يبحثون عن الطشّة ان يبتعدوا عن التاريخ..