الحسين.. ألق الثائرين

224

رئيس التحرير سرمد عباس الحسيني/

لماذا غادر الإمام الحسين (ع) مدينة جدّه (ص) قاصداً (كربلاء) كمصداق لما نوّه وذكر جدّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بدلالات ومناسبات عدة، كان آخرها إعلاناً.. (قارورة) أم سلمة، التي خصها بها دوناً عن البقية، وتشريفاً لها عوضاً عن دخولها معهم تحت (الكساء اليماني)؟
التي أكدها فيما بعد وصيّ جدّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عند ذهابه إلى (صفّين) ومروره (بكربلاء) مهينماً:
(هنا مناخ ركابهم، ومسفك دمائهم، لا يسبقهم من كان قبلهم، ولا يلحق بهم من أتى بعدهم، طوبى لك من تربة تهرق عليها دماء الأحبة).
هاتان الحادثتان وما رافقهما من حوادث ودلالات أكدتا على استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وأهله وأصحابه في (كربلاء)، بما لا يقبل الشك والجدل، وقدحتا في المخيلة القاصرة سؤالاً عبثياً يقترب من البطر الفكري بسذاجة الطرح في:
لماذا لم يتخذ الإمام الحسين (عليه السلام) ما كشف له من الغيب سبيلاً لتغيير مسارات الفكرة النابضة مقدماً بعبق الشهادة منذ عقود خلت قبل استشهاده؟!
ولاسيما أن النفس البشرية بمنطقها العقلي الفكري والبايلوجي الغريزي.. هي.. هي.. فيما يتعلق بتشبثها بالحياة..
.. ومن يرفض الحياة..؟!
وهو العارف حق المعرفة أنه مقتول لا محالة، وإن احتمى بجوف الكعبة؟!
إن رفض هذا المنطق الساذج، هو ما أحدث تلك الانعطافة في التاريخ الإنساني، التي رسمها الإمام الحسين (عليه السلام) بمداد دمه، جاعلاً من قضية (موته) الحتمية (موتاً) مؤثراً، لذلك كان قرار خروجه نحو (كربلاء) لا رجعة فيه، وهذا ما ذكره الإمام الحسين (عليه السلام) بوضوح جلي عبر رسالته لأخيه (محمد بن الحنفية) التي نقلها (الخوارزمي الحنفي) في كتابه (مقتل الحسين)، مؤكداً له فيها أن خروجه الى الكوفة حتمي، وأنه لم يكن (أشراً ولا بطراً.. وإنما لطلب الإصلاح في أمة جدي).. على الرغم من علمه أن اتباعهم ومواليهم فيها لا يتجاوزون سبع سكانها، ضُيق عليهم بالمسالح والسجون والقتل بالوشاية، إلى آخر الرسالة المعروفة، التي يفهم عبر ثناياها أن الخروج بنتائجه اللاحقة كان ألقاً سرمدياً يستنير بهداه الثائرون، ومعيناً لا ينضب بضرورة الخلاص من انحرافات تشوب الضمير الإنساني، وتصحيح مسارات كادت تعصف بالرسالة المحمدية. ومن هنا كان المسار الأصح الذي خطه الإمام الحسين (عليه السلام) في سِفر التاريخ البشري بعموم والإسلامي بالخصوص، وأن يختم هذا السفر (بشمع) دمه الأحمر عبر مقولته الخالدة:
إن كان دين محمدٍ لم يستقم إلا بقتلي.. فيا سيوف خذيني..
وأخذته سيوف الظالمين، وأراقت على جوانب أنبل قضية إنسانية.. أزكى دمٍ، بكت عليه وعلى أهل بيته وأصحابه ملائكة السماء، قبل أن يبكيه أهل الأرض.. إلى يومنا هذا.. بل … والى يوم يبعثون..