الحل المستحيل!!

181

حسن العاني/
مرتين في الأسبوع، وأغلب الأحيان مرة واحدة – حيث أجبرتني ضريبة العمر على ملازمة البيت – كنتُ أُغادر المنزل إلى مقهى (أبو إبراهيم)، وهو أقدم مقهى في محلتنا، ويعدُّ من أقدم مقاهي بغداد، لكنه لم يأخذ أي نوع من الشهرة على غرار مقاهي الزهاوي والبرلمان والبرازيلية والبيروتي والشابندر وغيرها، لكونه منزوياً في مكان بعيد عن الأنظار والحركة والشوارع الرئيسة.
كان رواد المقهى -بدون استثناء- من أصدقائي المقربين أو معارفي القدامى، ولهذا كنت أجلس حيث وجدت مكاناً شاغراً، لكنني في الحقيقة أفضل الجلوس مع مجموعة تؤلف فيما بينها حالة ذات نكهة خاصة، لأنها تعنى بالثقافة والحوارات السياسية الساخنة. ومع الأيام تعرفت – عبر حواراتهم – على الكثير من المفردات والمصطلحات، في مقدمتها مفردتا (المعارضة والموالاة)، ولم تكن بي حاجة لإدراك معنى المعارضة، كونها تفسر نفسها بنفسها، أما (الموالاة) فكانت غريبة على معلوماتي المتواضعة، وقد ظهر أن المقصود بها جماعة الحكومة، أو الموالين لها..
عبر السنوات الطوال في مجالسهم ومجالستهم، سمعت أنواعاً من الحوارات والموضوعات والأفكار، قبل التوصل بجهودي الفردية و(ذكائي) العالي إلى أن المجموعة بأكملها تنتمي إلى المعارضة غير المنتمية إلى أي حزب أو كتلة أو تنظيم. ولابد لي من الاعتراف بأنهم رفدوني بمعلومات وآراء بالغة الأهمية، وبالذات تلك المتعلقة بالسياسة وخباياها، لأنني انسان مستقل بعيد عن دوخة الرأس، ولا أفكر في منصب سيادي أو حقيبة وزارية.. كما يفكر الكثيرون!!
في إحدى الجلسات كان الحوار محتدماً بينهم حول كيفية النهوض بالعراق والتخلص من ظواهر البطالة والفقر، وتراجع البطاقة التموينية، ومتاعب السكن، وارتفاع نسبة الأُمية، وتفشي سرقات القرن، وتضخم البروستات، ومعدلات الفساد والرشوة ..الخ، وكنت أصغي إلى كلامهم برغبة فاترة بعد أن أتخمتنا به الفضائيات وضيوفها ومحللوها، وحصل ما يشبه الإجماع بينهم لكونهم متفقين في المضمون، مختلفين في الأسلوب الكلامي، أما الرأي الذي رأوا أنه الحل الوحيد لتجاوز متاعب البلاد ومشكلاتها، فيتمثل في التغيير الشامل لأعضاء الحكومة والبرلمان والسلطات جميعها، فجأة التفت نحوي أحدهم وفي فمه سؤال أقرب مايكون إلى استصغاري [عمو ماهو الحل؟] ولفتت إجابتي العفوية المازحة انتباه المجموعة واستغرابها [الحل هو باللجوء إلى الحل المستحيل، أقصد تغيير الشعب لأنه سكت وارتضى وانتخب، فمن أين نأتي بشعب بديل لا يصفق لكل من يعتلي السلطة!!] أحدهم صاح بأعلى صوته [هذا الرجل – يقصدني – من الموالاة وأنصار الحكومة لأنه ضد الشعب ويجب طرده فوراً.] وجرى طردي فوراً، مع إنني منذ ولدتني أُمي لا أُحب السلطة، وأعشق المعارضة، ولكن بعد الذي رأيته ماعدتُ أُحب أياً منهما!!