الدراما وأزماتها

769

#خليك_بالبيت

د.حسن عبد راضي/

كل رمضان تُثار في مواقع التواصل الاجتماعي ضجة أو أكثر سببها مسلسل هنا أو برنامج هناك، وغالباً ما تكون الضجة ناجمة عن اعتراض على مضمون ذلك المسلسل أو طريقة معالجته للقضايا الاجتماعية، أو ربما للمبالغات التي تعتمدها المقاربة الدرامية للواقع بحيث يبدو واقعاً مزيفاً أو بعيداً عن الحقيقة التاريخية.
وهذا الأمر ليس مقصوراً على المشهد العراقي، بل هي قضية عامة لم تسلم منها سرديات درامية كبرى مصرية أو سورية أو تركية، ومع ذلك فإن ما يعنينا هنا هو ما يجري في بلدنا، ويحق لنا نحن المتابعين أن نسأل: هل لدينا دراما رمضانية؟ وهل الأعمال التي تُقدم هنا وهناك ترقى إلى ما تقدمه المؤسسات الفنية والإعلامية في دول شقيقة وصديقة؟ وهل يمكن أن نعد الاعتراضات ذات الطابع الاجتماعي كتلك التي وجهت لمسلسل “أحلام السنين” سبباً في تأخر الانتاج الدرامي العراقي؟ أم أن السبب داخلي أكثر، وأعني به أن المؤسسات برأس مالها الجبان لا تجرؤ على المغامرة في هذا المجال لأن “سوقه كاسدة”، ولأننا نحن العراقيين لم ننجح طوال العقود الأربعة الأخيرة في تسويق إنتاجنا الدرامي إلى جمهورنا نفسه، ناهيك عن تسويقه لجمهور مختلف، عربي أو أجنبي، رغم إننا نجحنا أخيراً في تسويق الغناء ضمن ما يسمى بموجة الغناء الحديث، ولم نعد بحاجة إلى “سفير غناء عراقي” واحد كما كانت الحال في الماضي مع السفراء ناظم الغزالي وسعدون جابر وكاظم الساهر على اختلاف المراحل الزمنية!
نعم لدينا أزمة إنتاج درامي، علينا أن نعترف بهذا، وللمشكلة أسباب عدة؛ أولها أزمة النص، وهنا لا أعني أنه لا توجد نصوص ولا كتاب سيناريو، بل الأزمة هنا أنه لا توجد نصوص تقارب الواقع على نحو يمكن أن يقبله المواطن وتُشعره أن الواقع المعروض هنا قريب مما يعيشه، ويناقش مشكلاتٍ تخصه، لا كما درجت دراما الثمانينيات مثلاً، التي -لأسباب بعضها قاهر كتابوهات السلطة الكثيرة- كانت تناقش قضايا كوكب المريخ تقريبا، ففي الوقت الذي كانت الحرب تطحن البلد ويموت فيها خيرة شبابه، كانت الدراما تتحدث عن حياة تجري في عالم هادئ لا أثر للحرب فيه، وعن قضايا تبدو للسواد الأعظم من العراقيين آنذاك نوعا من الترف، وقد يصفها المتابع الحصيف بأنها حديث في العرضي من الأشياء دون الجوهري.
وقد يبدو الهاجس التجاري سبباً وجيها، فالمنتجون لا يريدون لأن يبددوا أموالهم في إنتاج أعمال لن تُسوّق، ولن يتحقق منها الربح المرجو، ناهيك عن الهاجس الأمني، فقد مرت سنوات طوال لم يكن فيها تأمين “موقع تصوير خارجي” أمراً يسيراً.
فضلاً عن أخذ المعطيات التي ذكرناها في الحسبان، فإن مراجعة خطط الإنتاج الدرامي، والتهيؤ لرمضان المقبل فور انتهاء رمضان الجاري قد يكونان مقدمتين لخطى ناجحة في هذا السبيل.