الرحلة المثيرة!

858

عامر بدر حسون /

من المخلوقات التي ساعدتني في منفاي، سمكة اسمها السلمون.
فكلما شعرت بالياس او الوهن تذكرتها، لعلني طيلة منفاي لم افعل الا محاولات تقليدها!
فهي وما ان تنضج وتبلغ سن الرشد، حتى تبدا حياتها باخطر رحلة في الوجود واكثرها اثارة:
الرحلة باكملها هي ضد التيار، مهما كان قويا وجارفا. وكلها صعود من الاسفل الى الاعلى، وهي مستمرة رغم مخاطر واحتمالات الموت ووجود مناطق جافة وصخور جارحة، لكن السلمون يخوضها صائما، ومتغذيا من نفسه او مما خزن في اعماقه لرحلة العمر.
وحتى تعرف حجم المعاناة، فان من اصل 15 مليون سمكة تنطلق للعودة الى مسقط الراس، لن تصل سالمة اكثر من مليوني سمكة، والباقي هم ضحايا المسيرة..
وضحايا فكرة العودة..
وضحايا التمتع بالسير ضد التيار!

***
وماذا في نهاية الرحلة؟
ما الذي تحصل عليه أو تفعله تلك الاسماك المحظوظة بالوصول الى ارض الميلاد، حيث ولدت كبيوض وفقست وجرفها النهر الى الارض المنخفضة؟
انها تصل وقد تغير لونها من عمق الجراح التي اصابتها في الرحلة، لكن الاناث وما ان تصل حتى تضع بيوضها (في المكان الذي ولدت هي فيه من قبل) وعندما تنتهي ياتي الذكر ويلقح هذه البيوض و.. هاهما ينظران الى “الامانة” التي حملاها رغم الصعاب.. ثم يبتعدان، وئيدا وئيدا، باتجاه الجرف.. وهناك يلفظان انفاسهما الاخيرة! لقد قاما بما عليهما فعله.. وازاحا انفسهما من الطريق و.. ماتا بهدوء عظيم!
***
شخصيا كانت رحلتي ممتعة ولذيذة، كنت شابا مليئا بالحياة.. وكنت محتفظا بكرامتي، ودربت نفسي على الحرية واحترام النفس والكرامة البشرية واكتسبت مهارات عيش رائعة.. وكان السير ضد التيار السائد امتع ما في الرحلة! ولعله هو الذي صنعني. فماذا اريد اكثر؟!
لقد غادرت بالطائرة وعدت بالطائرة على كرسي وثير.. وصلت سالما وبلا جراح، ولم اواجه عُشر الصعوبات التي واجهتها سمكة السلمون او غيري من الهاربين.

***
وقبل ان اكمل الكتابة جاءت زوجتي وقرات ما كتبت.. وعندما سالتها عن رايها قالت:
– جدد معلوماتك! فلقد عرف العلماء سر رحلة السلمون الخطيرة، واكتشفوا ان اناث السلمون هي من تبدا الرحلة.. فيما الذكور يلاحقونها في موسم التزاوج الذي يبلغ اجله عند الوصول الى ارض الميلاد.. وهذه كل الحكاية!
هذه اذن كل الحكاية.

***
ما الذي ساستخلصه الان من الرحلة؟ رحلتي أو رحلة السلمون؟
لا ادري!
لعل القراء يجدون تفسيرا أو خلاصة أجمل واعمق من القول:
ان اعظم واخطر رحلة في حياة سمك السلمون هي من اجل الانثى!
وبودي ان اضيف لما يقوله العلم ان هذه المسيرة التي تغني حياة اسماك السلمون وتجعلها اكثر اثارة تفعل ذات الشيء واكثر في البشر!
ونجاحك، او حياتك بتعبير ادق، لا يحددها النجاح في الوصول الى الهدف المحدد وانما الطريق الذي سرت فيه:
هل كنت سائرا مع التيار ام ضد التيار؟!