
الرشوة
حليم سلمان
يكاد لا يخلو مجتمع من المجتمعات المعاصرة، سواء كان متقدماً أو نامياً، ولاسيما في المجتمعات العربية، من تنامي ظاهرة تعاطي الرشوة، التي هي -بطبيعة الحال- من السلوكيات المنحرفة التي تفتك ببنية المجتمع السليمة، فهي سرطان المجتمعات، وتعمل على تلويث الشرف، وتضييع العفة والكرامة، ونزع المهابة، وتضييع الحقوق، وتقوية الباطل، وإعانة الظالم، وعاقبتها “لعنة في الدنيا وجحيم في النار”، فضلاً عن أنها من أكثر المخاطر الوظيفية، التي يقع فيها بعض الموظفين “ضعاف النفوس”، سواء عن قصد أو غير قصد.
يقصد بالرشوة في الاصطلاح: ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل (التعريفات للجرجاني)، أو كما عرّفها ابن العربي في (عارضة الأحوذي) بأنها: كل مال دفع ليبتاع به من ذي جاه عوناً على ما لا يجوز، وكذلك عرّفها ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) بأنها: ما يؤخذ بغير عوض ويعاب أخذه.
وللتوضيح أكثر، فإن الرشوة تشمل كل “مال، أو منفعة، تدفع للحصول على محرّم، أو إبطال حق.” وعلى هذا فهي لا تقتصر على المال وحده، بل قد يكون المقابل معنوياً، كأن يمدح الموظف رئيسه بما ليس فيه أصلاً، كي ينال رضاه ويقدمه على الآخرين الأحق منه في ذلك التقديم.”
اليوم، في مجتمعنا، المتابع لتقارير هيئة النزاهة العراقية التي ترسلها إلى المؤسسات الحكومية، ومنها المؤسسات الإعلامية، للاطلاع عليها، نجد منها ما يشير إلى تنامي هذه الظاهرة المرعبة، في عدد من المؤسسات الحكومية والخاصة، وأن عددأ من العاملين في مؤسسات الدولة لايزالون يتعاطون “الرشوة” مقابل التنازل، أو إعطاء حق لغير مستحقيه.
وبفضل التحسن الكبير في دخل الفرد العراقي، وارتفاع نسب “المعاشات”، وعدد العراقيين الذين يحصلون على “الرواتب” من خزانة الحكومة، فإن السؤال المُلح: لماذا الإصرار على ارتكاب هذه الجرائم؟ أو لماذا ينجرف البعض في التعاطي مع هذه الظاهرة؟ وأيضاً، لماذا يشجع المواطن نفسه الموظف على ارتكاب مثل هذا الجرم؟ كلها أسئلة واقعية، تستحق أن تكون موضوعات “دسمة” للمؤسسات الإعلامية، للوقوف بوجه استفحال هذه الظاهرة والحد من انتشارها. لذلك كان حرياً بنا أن نكون بمستوى عال من الشجاعة والمسؤولية لفضح كبار، أو صغار، الموظفين الذين يثبت عليهم هذا الجرم.
هناك جملة من الأمور التي يمكن أن نذهب باتجاهها في تدعيم حملات التوعية للوقوف ضد هذه الظاهرة، منها:
حث الموظف الحكومي على التمسك بالقيم الوظيفية النبيلة، والامتناع عن الوقوع في ما يتناقض مع تلك القيم، وأهمية الرجوع إلى أحكام الشريعة الدينية في التصدي لمعالجة هذه الظاهرة وفرض العقوبات، فضلاً عن تبصير الناس، ولاسيما الموظفين بالنظرة الدنيئة، وغير المحترمة، لمتعاطي الرشوة.
وقوع الموظف في هاوية “الرشوة” هو إساءة إلى سمعة المؤسسة التي يعمل فيها، ولهذا يستحق العقاب الشديد، كل من أعطى، أو أخذ، أو توسط، في عملية الرشوة، تماشياً مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم.”
لذلك نقول: إن من شأن تجنب الحصول على أية منفعة، لقاء أية خدمة تؤديها بحكم وظيفتك، تندرج تحت طائلة احترام المجتمع والإنسانية، وفي النهاية مباركة الخالق لك في مالك وعيالك، والرفع من شأنك في الدنيا والآخرة، وإلا سيكون عقابك المحتوم الطرد من رحمة الله.
الوظيفة أمانة، والرشوة خيانة، إذا كنت مريض رشوة، فاسأل نفسك: هل المال الحرام سيبارك في حياتك؟ هل يستحق الأمر أن تفقد احترامك لنفسك وثقة الآخرين بك؟
تذكّر أن الرشوة ليست مجرد مخالفة قانونية، بل هي تعدٍّ على حقوق الناس وتدمير لقيم العدل والنزاهة. حاول أن تعيد النظر في أولوياتك، واطلب الرزق بالحلال، فمهما قلّ فهو خير لك، وإن كنت تشعر بالحاجة إلى تغيير وضعك الوظيفي، فابحث عن حلول نزيهة بعيدة عن هدر الكرامة..