الرواق العراقي
جمعة اللامي /
“لا أصدقاء حقيقيين لي. ما لي سوى عشاق،
إلا، ربما، جويا، وخاصة فان جوخ”.
(بيكاسو)
سنة بعد سنة، تتأجل فكرتي في الكتابة عن إحسان الخطيب ورواقه ورفاقة التشكيليين العراقيين بدولة الإمارات العربية المتحدة، وحين أبدأ بتسجيل الجملة الأولى من مقال لا يتعدى الـ 300 كلمة، أترك الصفحة شبه بيضاء: صفحات، وصفحات، عليها ضربات قلم، مثل ضربات فرشاة، على غرار ما كان “براك” يرى في اللوحات التي يتركها نصف مكتملة ليعود إليها لاحقاً.
وهذا هو الشعر حين نتحدث حول الرسم.
بالنسبة لي، إحسان الخطيب، الرسام، الذي غادر العراق ليستقر في الإمارات العربية المتحدة، ويتخذ من الشارقة محترفاً له، منذ سنة 1973، شاعر.
عند رأس شارع الملك فيصل، من جهة السوق المركزي، وتحت أبراج الكريستال، يقع “الرواق” الذي يمر بجواره عابرون كثر بعدما أسّسه الخطيب سنة 1984. وإلى طاولة خشبية صلدة، بين روائح أخشاب وأصباغ لا تكاد تلمس، يجلس إحسان الخطيب، وحيداً أحياناً، مع زبائن أحياناً أخرى، بين زملاء عرب أو أجانب مرات ومرات، من دون أن ينقطع عن السماء الأولى: ألواني عراقية، هكذا أتخيله يتحدث إلى نفسه، خلف تلك الطاولة، أو في المناسبات التي يختلط فيها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، بالرسامين والشعراء والكتّاب والإعلاميين، وهي كثيرة.
ربما هي المصادفة أننا نكون معاً في الغالب في تلك المناسبات، وأحياناً لا نتكلم سوى تبادل تحية مقتضبة، غير أنني كنت، حينها، أتذكر كيف كان بيكاسو يتحدث إلى “براك” بينما كان يستعد للضربة غير الأخيرة، في حياته، على “جيرنيكا”: فليسقط الأسلوب، لأن العمل الحقيقي خارج الأسلوب مهما كان شخصياً.
لوحة إحسان الخطيب التي لم يرسمها بعد هي: الشارقة، أقصد حبّه لهذه المدينة، وانغماره فيها، ومعرفته بدواخلها، وتعرّفه إلى ناسها، وعلاقته بفنانيها، فقد حدث أن عبر “جسر الخان” وحطّ فوق أرضها، ليكون، كما قال القاسمي لمجموعة من الفنانين، كل كاتب أو فنان يعبر جسر الخان، يحطّ في الشارقة، هو صديقي.
سأقول: وأخي، أيضاً، ذلك بأن هذا المكان هو الذي جعل اللون يستدير على نفسه، والكلمة تحاور ذاتها، والفنان يجاهد لينعتق من أسر سماسرة اللوحات، والكاتب لكيلا يتنمط.
إحسان الخطيب، وقبله عصام شريدة، وأيضاً الفلسطيني محمود الرمحي، هم الشهود الأوائل على ميلاد حركة التشكيل الإماراتي، ابتداء من الشارقة، وهم ضوع خاص للوحة تتكامل عنوانها: الشارقة.