الزمن الجميل!

898

نرمين المفتي/

الناشطون على صفحات الفيسبوك، قطعاً يلاحظون المشاركات المتكررة يومياً في الإشارة إلى (الزمن العراقي الجميل) سواء من خلال الصور أو الأغاني، والحديث الطويل عن العلاقات الاجتماعية والأحلام ومجتمع كان واعداً بالكثير. وغالباً يكون ناشرو هذه الإشارات من أجيال عاشت (الزمن الجميل) ودائماً نقرأ تعليقات لأجيال ولدت في سبعينات القرن الماضي صعوداً، ولم يعرفوا ذلك الزمن إلا من خلال أحاديث الأهل ورواياتهم أو من خلال الأعمال الأدبية والثقافية، وطبعاً ليسوا جميعاً من قراء الروايات بالأخص إن كان ذلك الزمن جميلاً وجميعنا نحن إليه، لماذا التوقف عند هذا الحنين فقط؟ أدري جيداً أن الظروف صعبة وهناك من لا يحسن سوى وأد المبادرات الحياتية، وخطأنا أننا نستسلم لهذه الظروف، ومن بينها النزعات الطائفية، ونسمح لها بسحقنا كما سمحنا مراراً لوأد أحلامنا. لا أحاول أن أتحدث هنا بمثاليات وأطالب أن نكون (أبطالاً) بقهر الظروف والتغلب عليها، فأنا لا أجرؤ أن أطالب الآخرين بالبطولة في زمن أصبح فيه غالبية (أبطالها) الفاسدين والمفسدين والمتاجرين بالشعارات و مزوري الشهادات، إنما أحاول تكرار إشاراتي السابقة بوجوب العمل يداً بيد نحو إعادة ميزان القيم العراقي الذي صنع الزمن الذي يصفه كثيرون بالجميل، ذلك الميزان الذي قلبته أخطاء النظام السابق والحروب والظروف ليصبح المهرّج ( فناناً) والفاسد ( بطلاً). لنتوقف عن البكاء على الأطلال ونتوقف عن (تشويش) أفكار الأجيال الشابة. لنحاول أن نصنع زمننا حتى لو كره المنتفعون والفاسدون والمتجارون بالأحلام. أعرف أنها مهمة صعبة وقد يراني بعضهم متفائلة في زمن عزّ فيه التفاؤل أو خيالية أكثر من اللازم أو مستسلمة لأحلام اليقظة، وقد أكون، لا يهم، علينا أن نبدأ الخطوة الأولى وسيكمل الشباب المسيرة. لنصنع زمننا، وإلا فإن البكاء سيطول ويوماً ستختفي حتى الأطلال وحينها سيكون البكاء أكثر مرارة.

زيارة واحدة إلى شارع المتنبي في أية جمعة، ستؤكد بأننا نقدر أن نصنع زمننا الجميل لو أردنا حقيقة. لا أحاول الإشارة إلى الأدباء والفنانين الذين يغص بهم المتنبي أسبوعياً، إنما إلى شباب بعمر الورد، بينهم عمال نظافة بالأجور اليومية يحضرون الجلسات المختلفة بالقشلة ويوفرون من قوتهم اليومي لشراء كتاب وبينهم طلبة جامعيون والكل، وأقصد الشباب، يقف ضد الطائفية التي عمّقتها المحاصصة المقيتة، هؤلاء الشباب (بنات وأولاد) بحاجة إلى من يكون قدوتهم وليسوا بحاجة إلى باكين على الأطلال. إن استعادة ميزان القيم العراقي ودحر الطائفية بكل معانيها (التطرف الديني والقومي والمذهبي ) لابد أن تكون مهمة عليا وواجباً علينا، لإنقاذ أنفسنا قبل إنقاذ شبابنا وأجيالنا القادمة، هل من مجيب؟