السينما في الحرب على العنصرية

601

عواد ناصر/

لم يشأ المخرج الإيراني أصغر فرهادي أن يكتفي بأن يكون فنان سينما يصنع أشرطة جميلة، ويكتفي بإنتاج الجمال مصوراً، بل انخرط في الحرب على العنصرية من خلال مقاطعته حفل توزيع جوائز الأوسكار لهذا العام اعتراضاً على الحظر العنصري على المهاجرين المسلمين والذي دخل حيّز التنفيذ بقرار من الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، كما كتب محمد أمين الكرخي في تقريره الصحفي.

وقال صاحب شريط “طلاق” الفائز بالأوسكار في دورة سابقة، ومن خلال بيان نشرته الوكالات “لم أتخذ قراراً بمقاطعة الحفل ولم أرغب بمقاطعة الحدث كي أبرز اعتراضي، فأنا أعلم بوجود كثيرين في قطاع السينما الأمريكي وأكاديمية فنون وعلوم السينما يعارضون التعصب والتطرف الذي يسود العالم الآن أكثر من أي وقت مضى”.

وأضاف فرهادي المرشح لنيل جائزة أفضل فيلم أجنبي «البائع» ”يسعى بعض المتطرفين على جانبي المحيط إلى صناعة صورة زائفة ومرعبة لشعوب الضفة المقابلة، ونشر روح العداوة بسبب الاختلاف، وإلى بثّ الرعب ما بين الشعوب بسبب حالة العداء”. وقال الناقد السينمائي برويز جاهد أنّ قرار فرهادي وغيابه عن مراسم الأوسكار أكثر تأثيراً من المحاضرات والتصريحات النارية التي تُطلق ضد ترامب من منصة الأوسكار.

ويعقد نقاد سينمائيون الآمال على فوز فيلم «البائع» في الحفل الذي يُقام في لوس انجلس في السادس والعشرين من شباط الحالي اقتناعا منهم بأن غياب فرهادي عن الحفل في حال فوزه سيُحرج إدارة ترامب أو قد يسهم ذلك في التراجع عن الحظر الذي يحرم المواطنين الإيرانيين من السفر الى الولايات المتحدة”.

إن سلسلة من المواقف المشهودة اتخذها عدد كبير من الفنانين، في السينما وبقية الفنون والآداب، ضد الفاشية والعنصرية عبر تاريخهما المخزي، سواء منذ الحرب الأهلية الأسبانية بداية منتصف الثلاثينات أو بمواجهة المكارثية، في الخمسينات، وفي سنوات لاحقة حتى هذه الأيام.

لا ننسى نحن العراقيين لويس بانويل الذي شاهدنا فيلمه الجميل “حسناء النهار” في سينما غرناطة، ببغداد، عند بدايات سبعينات القرن الماضي، بطولة الفرنسية كاترين دونوف.

كتب بانويل في مذكراته: كنّا، لويس أراغون وأنا نشرف على تهريب الأسلحة للمقاومة الإسبانية ضد السلطة الفاشية، بقيادة الجنرال فرانكو، عبر الحدود.

ووقائع محاكمات نخبة من الأدباء والفنانين العالميين الأمريكان، أو غير الأمريكان ممن يقيمون على أراضي الولايات المتحدة، بتهمة “النشاطات غير الأمريكية ضد الولايات المتحدة” وهي تسمية تعني مواقف الفنانين والأدباء اليساريين والديمقراطيين الذين وضعهم النائب الأمريكي العنصري (جمهوري) جوزيف مكارثي على لائحته سيئة الصيت.

بدأت المكارثية بقائمة فيها 205 أسماء قيل إنهم شيوعيون وجواسيس في الخارجية الأميركية، ثم امتدت المكارثية لجميع قطاعات المجتمع الأمريكى، وراح ضحيتها أكثر من مئتي شخص تم الزج بهم في السجون، فضلا عما يزيد على 10 آلاف تم طردهم من وظائفهم والتنكيل بهم وفق تهم ملفقة ومن هؤلاء مارتن لوثر كينغ و ألبرت أينشتاين وآرثر ميللر وتشارلى تشابلن وكثير غيرهم.

الإيراني فرهادي يعيد إلى الأذهان السجل الأسود للعنصرية بطبعتها الجديدة الأكثر خطورة في التاريخ المعاصر، لأنها تُمارس على يد أكبر دولة في العالم تستفرد بإدارة العالم على وفق اللون والدين والجنس.