الشركات العائلية

52

ياسر المتولي

هناك نظرة ضيقة عن الشركات العائلية، التي يعاب عليها أنها محتكرة لنشاط بعينه، وهاجسها الربح فقط، في وقت تحظى مثل هذه الشركات، وبضمنها البنوك، بتقييم عالٍ في الدول المتقدمة ومحيطنا الإقليمي، باعتبارها الأساس في نجاح الأعمال الحرة.
ومن التجارب العالمية نستقي معلومة بهذا الخصوص، مفادها أن الشركات العائلية الخاصة والمساهمة المحدودة تلعب دوراً كبيراً في عملية النمو الاقتصادي. وفيما يقر الدستور العراقي بأهمية النشاط الخاص بكل أشكاله، برنامجاً ومنهجاً للنظام الاقتصادي، على خلفية التحول من النظام الشمولي إلى الاقتصاد الحر، الذي يفترض أن يطبق في العراق، إلا أن الملاحظ أن ثمة بقايا للنظرة الشمولية تحاول إعاقة عمل الشركات العائلية، وقبلها الشركات الخاصة (القطاع الخاص). يتجلى ذلك في تطبيق القوانين الاقتصادية المتداخلة والمتقاطعة فيما بينها، وأقصد القوانين الشمولية التي مازالت نافذة، والقوانين الجديدة التي تستند إلى اقتصاد السوق. وهنا تبرز فوضى التطبيق الاختياري للقوانين وفقاً لرغبات المعنيين، هذا التقاطع والتداخل أسهم في اتساع ظاهرة الفساد، نظراً لمساحة الصلاحيات غير المحددة بمنهج واحد بعينه، لذلك نجد البعض ممن يتمسك بتطبيق النظرة الشمولية وقوانينها، على الرغم من فشلها وتقاطعها مع الدستور العراقي الجديد.
لذا تحتاج الشركات العائلية لتوضيح ذلك، عبر المقارنة في تشابه الأهداف، فإن تعريف القطاع الخاص هو “كل عمل حر يمارسه الأفراد لحسابهم الشخصي، بربحه وخسارته.” ويمكن أن نوضح المقاربة بصاحب (السوبر ماركت) أو مالك (المول) الوحيد مثلاً، كمثال للشركة العائلية، فهو يمارس هذا النشاط بمخاطره وخسائره ومزاياه وأرباحه.
يجري الحديث الآن عن تشجيع الشباب العاطل، وعلى رأسهم الخريجون، لممارسة ريادة الأعمال بتأسيس مشاريع متناهية أو متوسطة الصغر، بمعنى أنها (شركة عائلية)، تكون أحياناً من الإخوة أو الأقارب. ويأتي التشجيع على ممارسة الأعمال الحرة إيماناً من الدولة بأهمية النشاط الخاص في دعم ديمومة النمو الاقتصادي، والتخفيف من ضغط الطلبات على الوظائف الحكومية التي باتت غير قادرة على استيعاب حجم البطالة المضطرد مع محدودية الفرص.
في ظل هذا الواقع المفروض، يتعين تغيير النظرة القاصرة عن الشركات العائلية، والتشجيع على تأسيس شركات تتشارك فيها الكفاءات القادرة على تحقيق قصص نجاح أشبه ـ إن لم نقل تفوق – قصص نجاح الشركات العائلية، والأبعد من ذلك أنه لابد من الاستفادة من تجربتها في تحقيق الأرباح وإسعاد مالكيها، وهذا هو هدف القطاع الخاص، لذلك تجده مندفعاً نحو التطور والإبداع لتحقيق أهدافه المختلفة، وفي مقدمتها الربحية.
أعتقد أن قصص نجاح الشركات العائلية حول العالم كانت حافزاً أساسياً للتشجيع على ريادة الأعمال الحرة، وعدم الاعتماد على الوظائف الحكومية، فمن دون تشجيع النشاط الخاص فإن أي حديث عن محاولة إصلاح حقيقي يبقى ميتاً سريرياً، ولعل نماذج عراقية شبابية نجحت في تجارب حية تعكس قدرة القطاع الخاص على تخطي كل العقبات، عبر هذه القدرة الشبابية التي يمتلكونها بكل جرأة، يظهر لنا مدى نجاح العمل الخاص كنموذج للشباب الصاعد. وهنا يتعين على الدولة وضع إطار قانوني وتنظيمي جديد لتنظيم عملها، واحتضانها وتشجيعها، من خلال تعديل قانون الشركات بما يضمن ممارسة الشركات العائلية والخاصة نشاطها في المستقبل، بما لا يتقاطع ومصالح البلد.