الصين خيال (1)

674

نرمين المفتي /

عندما شاهدت فيلم (الإمبراطور الاخير) ١٩٨٧ لبرتولتشي، الذي فاز بتسع جوائز أوسكار، وهو إنتاج مشترك لدول عدة، من بينها الصين، كرهت الثورة الثقافية التي أسسها ماو، والتي لم يتعرض إليها، أقصد المعلنة، الإمبراطور الأخير (بويي)، فالمعلنة بدأت في ١٩٦٦ وتوفي الإمبراطور في١٩٦٧. لكن هذه الثورة كانت قد بدأت ونفذت فعلاً قبل هذا التاريخ. في الفيلم لقطات عن سجن بويي ومعاناته وما تعرض إليه تحت تهمة العمالة لليابانيين الذين اجتاحوا الصين واحتلوها في ١٩٣٧. وكانت الصين، يومئذ في ذاكرتي، ذلك البلد الذي يرتدي شعبه كلّه بدلة من قطعتين بلون واحد وسور الصين العظيم.. وقبل أن أزور الصين تمنيت أن أزورها بعد أن عرضت ناشيونال جيوغرافيك على مدى أسابيع حلقات وثائقية عنها، فالصين مثلها مثل كافة دول جنوب شرق آسيا، تتقدم بنحو خيالي، فقد تمكنت، ومعها سنغافورة، من السيطرة على الأمن السيبراني العالمي تماماً، وأصبحت لهذه الدول اقتصاديات ترعب أميركا أولاً و روسيا ثانياً، مثل الصين والهند وماليزيا وسنغافورة. أما التطور العلمي، فكل دولة منها تستطيع أن تكون كوكباً لوحدها، وقطعاً لا يوجد أي مجال للمقارنة بيننا وبينهم..كانت الثورة الثقافية وتجربة الماوية قاسية والصين تحت حكم حزب واحد، لكن تلك القسوة خفَّت كثيراً حين أصبحت الصين قوة عالمية لا يستهان بها..
الصين خيال، هذا انطباعي ولست مبالِغة. في بكين، التي عديد نفوسها نحو ٢٣ مليون نسمة، وفي ساعات النهار والعمل يصبح أكثر من ٣8 مليوناً، لا أثر لأي ازدحام في الشوارع، شبكة المواصلات مذهلة، والمعروف أن المواصلات الممتازة، من شوارع ومجسَّرات وطرق سريعة وقوانين ملزمة وغرامات ورادارات، تشكل الخطوة الأساس لتطور أي بلد، لا يوجد مخالف في الشوارع، خاصة المشاة، نسبة كبيرة منهم ( نساء ورجال) يستخدمون الدراجات الهوائية ولهم مسارات خاصة في الشوارع ويلتزمون بأضوية المرور.
بكين والمدن الأخرى التي زرناها نظيفة جداً، وعلى مدى ساعات النهار يتوزع عمال نظافة في الشوارع والأحياء السكنية. الصين، التي كانت تلبس لوناً واحداً وتعاني الفقر والمخدرات، أصبحت ثاني اقتصاد في العالم، وسبقت كل دول العالم، وبضمنها الولايات المتحدة واليابان، علمياً. في الصين 56 قومية وعشرات الأديان، لكن الكل لا ينتمون سوى إلى الصين، وبإرادة الانتماء أصبحوا القوة التي يشكلونها الآن..